بالناس الذين يريدون عقابهم فتتخطفهم الحيوانات وتمزق أجسامهم شر تمزيق والمتفرجون محدقون في البيوت المرتفعة المحصنة من وصول تلك الحيوانات إليهم وهم يضحكون فرحين ، ولم يكن ذلك مقصورا على رجالهم بل حتى النساء اللاتي هن أرق طباعا كن يتهورن وينبسطن من مثل تلك المناظر ، وتمادى تمرد أهل تلك البلد على جورهم وقهرهم فأرسل الله عليهم هيجان جبل الفزوفيو الذي هو بركاني وهو بقربهم على نحو ثلاثة أميال ، فزلزلت بهم الأرض وهم على حين غفلة زلزالا شديدا وهرعوا للفرار إلى الفضاء خارج البلد فأدركهم سيل العرم من النار التي قذفها الجبل فاحمر الأفق بعد أن أظلم واحلولك ، وطاف عليهم طائف من بحر النار فأهلكها وكل من فيها في بضع دقائق وتراكمت عليها المادة السيالة النارية حتى صار مكان البلد وما حولها جبلا وامتد إلى البحر وسبحان الملك القهار ، وتمادى عليها ذلك الحال وتنوسي أمرها لأن الواقعة وقعت عليها قبل التاريخ المسيحي بقليل ، وصار سطح أرضها بطول الزمان صالحا للزرع والنبات ففي عشرة الثمانين والمائتين وألف هجرية كان أحد الزراعين هنالك يحرث فنشب محراثه في عروة إحدى الأواني التي كانت في البلاد فبحث عليها فتراءى له ما ظنه كنزا وتبين أنه كنز رفيع وهو البلد الغابرة ، فعينت دولة إيطاليا مقدارا من المال سنويا وكلفت مهندسين بالكشف عن تلك البلاد مع التحفظ على هيئة بنائها وجميع ما يوجد بها ولا زال العمل مستمرا إلى الآن ، وإنما كان السير بطيئا في العمل لأن المادة النارية تحجرت وصارت صلبة مع الإحتراس من إفساد الموجود وتعسر الفرق أوّلا بين ما كان من البناء وبين ما التصق به من تلك المادة ، فأخرجوا من البلاد كل ما وجد بها إذ ما كشف عليه وجد كأنه على حالة أصله ، فأرباب الصناعات والمحلات على الهيئة التي أدركهم عليها الغرق والحرق والردم معا وكل الأجسام التي وجدت بقيت على حالها عند مس الهواء إليها سوى الأجسام الحيوانية فإنها عند مس الهواء إليها تضمحل ، فجعل العاملون حيلة لإبقاء صور الأجسام بأن جعلوا كلما تفطنوا بمس آلة الحفر لجسم حيواني أتوا بالجص وحلوه في الماء ورفعوا إذ ذاك آلة الحفر عن المحل الذي لمسته وأبقوا الهواء مماسا للجرم الحيواني من ثقب آلة الحفر فينتفش الجسم في الهواء ويبقى محله في المادة النارية خاويا فيصب فيه الجص وعند جفافه وانعقاده تكسر المادة النارية عنه وتخرج صورة الجسم على ما كان عليه ، ورأيت في بعضها بقية من فقرات الظهر وعظام الأصابع لم تبل ومما يدل على جرأة أولئك الأقوام في ذلك العصر وتجبرهم إن وجدت بعض جثثهم على حالة الوقاع ، حتى كان منها جنازة رجل وامرأة متداخلي الأرجل لكن الرجل لما أدركه الموت انزعج على قفاه وهو ناعط وبقيت المرأة على حالتها منكبة على وجهها ومقعية على ركبتيها ، فانظر إلى ذلك التجبر مع سابقية الزلزال ولم يؤثر في شهوتهم حتى أدركهم الهلاك على شهوتهم.
وأما أبنية تلك البلدة فالظاهر أن أغلبها انهدم بالزلزال وما بقي منها قائما منه المتصدع والمنشق ومنها القائم على أصله ، وهيئة بنائهم يجعلون الحائط ضيقا نحو ذراع فما دون