مملكة تونس ، وتونس أيضا لم تسم نفسها في قانونها النظامي إلا الإسم الذي أطلقته عليها جميع الدنيا ، وهي أرادت أن توضح المزية التي لها بالإستقلال والقدرة الموافقة له.
فبناء على ما سبق من الأدلة القطعية والمتعددة فالباب العالي لا يقدر أن يتعجب من إنكار فرنسا لسيادته على تونس مهما طلب هو ذلك حتى إلى الآن ، ونحن نقر بأن الباب شدد في طلبه منذ خمسين سنة وفي سنة ١٨٣٥ أدخل تحت سيادته طرابلس بعد ما ضبط التحيير الهائل هناك وأراد أن يعمم سيادته على تونس ، إلا أن قوة فرنسا المضادة له منعته من مقصده وبعد عشر سنين أي في سنة ١٨٤٥ أتى ما بينجي السلطان إلى تونس ومعه فرمان ليقلد الباي منصب الولاية ، إلا أنه لم يقبل منه ثم مضت عشرون سنة من غير تجربة جديدة ، ولكن في أواخر سنة ١٨٦٤ رجعت التخمينات القديمة وإنما هاته المرة كانت المملكة بنفسها هي التي طلبت التقليد ولكن هذا كان من الغريب إذ وقع من الأمير الذي هو حتى لذلك الوقت بعينه وهو يظهر المدافعة عن استقلاله ، وهذا إنما كان من الإشارات القوية التي خوفت الباي من حالته أمام الباب فأرسل لذلك أمير الأمراء خير الدين إلى القسطنطينية ليعرض ويأتي بالفرمان ، وهاته المرة أيضا فرنسا عارضت في ذلك وعوضا عن الفرمان السلطاني فالباي ومستشاريته التزموا بالرضاء بمكتوب وزيري متضمن لما في الفرمان ، ثم اغتنموا الفرصة وقت مصيبتنا في سنة ١٨٧١ وتمموا ما كانوا ممنوعين منه سواء كان في مدة الوي فليب الذي كان غالبا أسطوله يمنع الأسطول التركي من القدوم إلى تونس ، أو في مدة الأمبراطور الذي لم يقلل من العزم المشار إليه ، وفرمان ١٥ تشرين أوّل سنة ١٨٧١ الذي اتخذوه تحت ظل مصيبتنا اشتهر في ١٧ تشرين ثاني في باردو وأعلن به خير الدين بإسم السلطان وقبله الباي الذي كان طلبه له مع شيء من الغضب ، وفرنسا على كل حال سجلت بقوة وحسبت الفرمان باطلا أو كأنه لم يقع ، ومن مدة عشر سنين لم تبطل شيئا من عملها عند ما يقتضي الحال ومع نجاح الباب هو بنفسه له شك في إجراء حق فرمانه بتاريخ سنة ١٨٧١ الذي ضرب استقلال مملكة تونس المتقادم ، وهذا الفرمان انتشر قليلا إلا أنه عند الغالب لا يعرف ما عدا بعض الدول الذين لهم فوائد نوا ، وفي ترتيب الفرمان المذكور أن تونس تكون جزء تحت الباب مع أن حكم باي تونس باق كما كان يعرف من منذ مائتي سنة غير أن باي تونس صار واليا أي واليا عاما على أيالة تونس وعلى موجب ذلك فالوراثة في الحقيقة لم تكن مستمرة في العائلة الحسينية خلافا لما ذكره الفرمان ، بل الوالي يعزل بإرادة السلطان ومن الممكن أن يعرف الباي ضرره وضرر ملكه وحريته وحياته التي هي غلطة كبيرة حسبما أشاروا عليه بها ، ومحمد الصادق ليس له خوف من جهة فرنسا ولو مع ما عمل من الشر بها ومع هذا فهي ليست بضده لا لذريته ولا لذاته ولا لدولته ، وأما من جهة الباب فهو بالعكس وله الخوف الكبير منه لأنه يمكن أن يبدله بحسب الحال.
انتهت لائحة وزير فرنسا وإذا تأملها المتبصر وتدبر معانيها يجدها مخالفة للواقع في