كثير من الأمور سيما بعض الأحوال التاريخية كما يتبين من مقابلة كلامه بما ذكرناه في تاريخ تونس وسياستها ووصلتها مع الدولة مع المكاتيب الرسمية التي نقلناها حرفيا حتى من متوظفي فرنسا ، ويؤكد ذلك ما تراه في لوائح الباب العالي الآتي بيانها ، فإن الحالة لما بلغت إلى درجة هجوم العساكر على الحدود تظاهر والي تونس بأن أرسل إذ ذاك إلى الباب العالي مكاتيب في التشكي من فعل فرنسا وأرسل إلى نواب الدول تسجيلا على ذلك أيضا ، ولما تحقق الباب العالي الأحوال الرسمية أرسل عدة لوايح إلى سفرائه مستنجدا بالدول لمحافظتهم على معاهدة باريس التي أشرنا إليها سابقا وعلى معاهدة برلين ، ومما يفصح عن مقاصد الباب وحقوق اللائحة التي أرسلها وزير الخارجية بالدولة العثمانية إلى سفراء الدولة ، ونص تعريبها :
القسطنطينية ١٠ مايس سنة ١٨٨١ ، إن إعلاماتي المختلفة عرفت فطانتكم الوقائع التي صارت في المسألة التونسية وقد نسيت بهجوم بعض القبائل البدويين جهة الجزائر ، ولهذا الهجوم فالحكام التونسيون أعلنوا بأنهم حاضرون ليضبطوه من غير تراخ ، فالدولة الفرنساوية حكمت بأنه يلزمها إرسال عدد وافر من العساكر الذين قد استولوا على جزء كبير من الولاية ولم يبعدوا عن المركز إلا بعض فراسخ ، فمن غير التفات إلى ما كنا أكدنا به على حضرة الباشا ليأخذ التدابير اللازمة لتمهيد الراحة في المواضع الثائرة ، فدولة الجمهورية لا تريد أن تنظر للمخالطة الإقترانية بتونس مع السلطنة العثمانية التي هي محسوبة جزءا متمما للسلطنة المذكورة ، وأظهرت بأنها لا تقبل قولنا للإتفاق الودادي معها لقطع الإختلاف الذي وقع وترتيب حقوق الباب العالي مع منافع فرنسا في ذاك المحل وترتيب الأشياء الموجودة من زمن قديم ، ولا نقدر أن نزيد في إيضاحها كما يلزم وهي سيادة السلطان التي ليس فيها اختلاف على هاته الولاية وهي سيادة لا تنكرها ولا دولة عموما ، وهذا الحق بقي إلى الآن صحيحا ولم ينقطع من زمن فتحها وهو إذ ذاك سنة ١٥٣٤ بخير الدين باشا وفي سنة ١٥٧٤ تقليج علي باشا وسنان باشا ، وكانت الدولة العلية أرسلت إلى تلك المواضع قوة عظيمة برا وبحرا ومن زمن ذلك الفتح فالتأسيسات التي فعلها الباب العالي هي أن جميع ولاة تونس يتوارثون الولاية من ذرية الوالي الأوّل المسمى من السلطان ، ويتقلدون إلى الآن المنصب منه وفرمانات الولاية تبقى في خزنة الديوان وكذلك جميع المكاتيب التي تأتي منهم للباب العالي فإنها تارة تكون في شأن مخالطتهم مع الدول الأروباوية وتارة تكون في شأن أحوالهم الداخلية ، والتي لهاته المدة الأخيرة فإن الباب العالي من استحفاظه على حقوقه زيادة على كونه يسمى الوالي العام ، فإنه يرسل من القسطنطينية إلى تونس قاضيا وباش كاتب الولاية ولم يكن إلا من ترحم الدولة العلية إن منحت الوالي أن يسمي هو بنفسه هذين المتوظفين ، وأيضا فاتباعا للمذهب وخصوصية سيادة السلطان فإن الخطب يذكر فيها إسم جلالته ويضرب على السكة أيضا ، وفي وقت الحرب ترسل تونس الإعانة إلى التخت وعلى حسب العادة القديمة يأتي إلى القسطنطينية