مع ذلك الرتل إلى رومة وتنتظرنا في الكمرك في محطة الرتل إلى أن نقدم إلى هناك ، ثم ذهبنا إلى قصر الملك في بستانه المسمى بقصر «كازرتا» فإذا هو أعظم وأتقن قصر رأيته من جهة التأنق في مواد بنائه المتخذة من الأشياء الخلقية كالمرمر والرخام والحجارة الضخمة المنحوتة وإن كان غيره أشد تأنقا من جهة صناعات النقش والتذهيب والتزويق ، وهو مربع الشكل كل جهة منه في طول مائتين ميترو وأمام الباب بطحاء عظيمة على جانبيها مساكن للعساكر ، فإذا دخلت من الباب تجد القصر منقسما إلى أربعة أقسام وكل قسم في زاوية يشتمل على بطحاء وله مطالع إلى القصر ، والمطلع الكبير المعد للوقت الرسمي يشتمل على مائة وإحدى عشرة درجة من المرمر المورد اللون كل واحدة في قطعة واحدة إلا قليلا منها في قطعتين طول كل درجة ثلاثون قدما وعرضها قدمان وارتفاعها ستة أصابع ، ومبدؤ الدرج منفرد فإذا انتهت إلى نصفها رجعت إلى قسمين يمينا وشمالا فينتهيان إلى إيوان عظيم مرفوع سقفه على ستة عشرة أسطوانة من المرمر المزركل في قطعة واحدة ارتفاع الواحدة نحو عشرة أذرع ومحيطها لا يستطيع الإنسان الكامل الإحاطة بها بذراعيه ، ومنه يدخل إلى البيوت الضخام المختلفة أنواع السقوف وكسوة الحيطان والأرض بأنواع من المرمر أو الطلي أو «الموزايكو» أي القطع الصغيرة من المرمر كل قطعة نحو الأنملة من لون مرصفة على أشكال بديعة ، أو من المنسوجات الصوفية أو الحريرية من المصانع الشهيرة في العالم.
ويحتوي القصر على كنيسة وهو ذو ثلاث طبقات وقد تم منه بالبناء والأدوات داخلا وخارجا ثلثه والثلثان لم يتم منهما إلا بناء الحيطان والسقوف وبقيا ناقصي الأدوات ، وليس في القصر شيء من الفرش ويحيط به بستان طوله ثلاثة أميال وعرضه قريب منها وفي منتهاه جبل منحدرة منه عين ماء عظيمة مجعولة على نحو شلالة لانحدار مائها دوي ، وإذا قابله الداخل من باب البستان جهة القصر يظهر له من بعد كأنه منارة متصاعدة في الجو من الزجاج الأبيض ، ثم ينشأ من ذلك الماء نهر وبحيرات بها كثير من الطيور المائية وأنواع السمك ، ويحتوي البستان على مماشي وغياض متقنة ذات أنوار وأزهار كما يحتوي على آجام وغابات وحيوانات للصيد ، ثم ركبنا قرب الغروب من هناك الرتل وسرنا نحو إحدى عشرة ساعة وليس هناك من العمران مثل ما يأتي خبره ، بل أكثر الأراضي معطلة والجبال لا منظر جميل بها وإنما توجد القرى وما حولها معمورا نسبيا وكانت القرى تبعد عن بعضها في أكثر الأحوال سير نصف ساعة في الرتل. فوصلنا بلد رومة التي هي تخت المملكة بعد نصف الليل وفتشوا في الكمرك رحلنا أيضا مع إنا قادمون من إحدى بلدانهم ، وذلك لأن لكل بلد داء على ما يدخل إليها لمصالحها الخاصة زيادة على ما تأخذه الدولة من الكمرك العمومي ، ونزلنا في إحدى منازل المسافرين وأخذنا إليه صناديقنا التي وجدناها في الكمرك غير أنا وجدناها سرق منها برنس ووقع الخلاف بين مستخدمي المحطات فيمن سرقه فجماعة رومة يتهمون جماعة نابلي وهم يتهمون الآخرين والحاصل أن البرنس ضاع! وسببه