المياه وفيها من البقر شيء كثير مسرح هناك للأهالي بدون حراس مخصوصين لكل أحد بل على المكان قيمون يؤتى إليهم بالبقر ويستودع هناك إلى وقت احتياج أصحابه ، ومنه ما لا مالك له فيتناسل هناك وتبيع منه الدولة لمن أراد الشراء ومررنا في سيرنا على مرسى «بيشي تافيكيا» التي هي أقرب مرسى طليانية إلى رومة قاعدة المملكة وفي آمال مهندسيهم أن يفتحوا خليجا من تلك الجهات من البحر ليصل إلى حدود بلد رومة لأن الأرض هناك منخفضة وبه ينصلح الهواء من تعفن المروج التي يركد فيها الماء ، واستمر الرتل سائرا بقرب الشاطىء إلى أن وصلنا إلى «ليفورنو» في الساعة الثالثة قبل نصف الليل بعد مسير إحدى عشرة ساعة ، وقد توقف الرتل في المسير عندما وصلنا إلى جسر على أحد الأنهر حيث أن فيضان النهر هدم الجسر فنزلنا من الرتل وعبرنا النهر مشاة على أخشاب ضيقة ، والحال أن النهر عريض والوقت ليل والمطر نازل ثم ركبنا رتلا آخر مهيأ في الناحية الأخرى من النهر إلى أن وصلنا إلى «ليفورنو» فإذا هي بلدة واسعة الطرق نظيفتها متقنة التحصيب والتبليط بحجارة منحوتة مستوية وبها قليل من البطحاآت الوسيعة أشهرها ما تسمى «بياص دي كافور» وكافور هذا وزير إيطاليا الذي جد في وحدتها الأخيرة فرسم تمثاله بتلك البطحاء وسميت به وكذلك البطحاء الكبيرة ، ويخترقها خندق به ماء البحر وعليه جسور وهذا الخندق كاد أن يكون مخترقا لجميع جهات البلد وذلك لفائدتين.
الأولى : هي أن البلد أرضها مسبخة ندية فذلك الخندق تنجذب إليه المياه مما حوله ويحصل جفاف الأرض وما أخرج من ترابه الكثير علت به أرض البلاد.
والثاني : أن البلد كانت من أهم مراسي التجارة لإعفائها من الأداء ترغيبا في عمرانها ، فتكثر فيها السلع وتحمل في القوارب وتسير في تلك الخندق من السفن إلى المخازن إذ ماء البحر بالخندق عميق.
وبخارجها على الشاطىء منتزه عمومي ممتد نحو ميلين به حدائق الأشجار والأنوار ومغاطس من البناء أو الخشب على البحر وقهاوي وملاهي تنتدبها الناس زمن الصيف من أهالي البلد وغيرهم ، والطريق للمارة وسيع جدا وعلى حده قصور شاهقة ذات منظر جميل أمامها الطريق ودونها الحدائق ومن ورائها القهاوي والملاعب والمغاطس ومن ورائها البحر وهي في الصيف ليلا ونهارا منزه مريح ، ويسمى ذلك المكان «البساجاتا» و «برت ماري». وفي البلد خزنة للماء مسقوفة ببناء ضخم شديدة النظافة حتى يرى الرائي في قعر الماء مع عمقه كتابة على الحجر بيّنة ، والماء في غاية الصفاء مع اتساع الخزنة ومحل استقرار الماء منقسم على عدة أقسام ، فيدخل الماء المجلوب من عين غزيرة إلى أحد الأقسام إلى أن يتملىء ثم يخرج منه من أسفل إلى قسم آخر ، ثم منه من أعلى إلى قسم آخر وهكذا بحيث أن كل قسم يكون مملوءا ولا يخرج منه إلا بقدر ما دخل فيه لتصفية الماء وتروّقه حتى لا يخرج إلى عموم البلد إلا بعد انتهاء ترويقه ، وهاته البلدة موقعها على البحر وهو غربيها