وهي من المراسي الشهيرة للتجارة والحرب وقد بني بها ميناء مأمنا للسفن ذات حوضين ، قيل أنفق عليها مائة وعشرون مليونا فرنكا وبها مرفأ للسفن ولإنشائها ، ولما وصلنا إلى البلد وجدنا الوزير حسين الذي قصدنا البلد لأجله غائبا في «فيرينسا» بدار سكناه حيث كان تابعه هناك ، ثم وادعت صديقي الشيخ «سالم أبو حاجب» حيث كانت مأموريته هناك ، وركبت بكرى ليلة وصولنا قاصدا الوزير المذكور في بلد «فيرينسا» وأبقيت غالب رحلي وأحد تابعي هناك لاحتمال العود ، فسرنا في الرتل ثلاث ساعات وكان حول «ليفورنو» بعض غياض ليست حسنة جدا.
ومررنا على بلد «بيزة» مناخ علم الطب سابقا ، فإذا هي من مدن إيطاليا الشهيرة ويخترقها نهر وحوله منارة وقد انفردت هاته البلدة بشيئين.
أولهما : أغرب شيء من مباني العالم وهو الصومعة الوحيدة المائلة فإن هاته الصومعة يراها الناظر مائلة ميلا كليا إلى جهة الجنوب حتى يخالها أنها ساقطة لا محالة ، وهي ليست بمرتفعة جدا وبناؤها من حجارة منقوشة ومرمر ودرجها كل في قطعة واحدة من المرمر ، وهي في وسط بطحاء قرب كنيسة وأسفل قاعدتها مائل أيضا غائر في الأرض من جهة الميلان ومرتفع من مقابله وقد اختلف النقل في سبب ميلانها ، فقيل : إنها بنيت كذلك وهو من مهارة صناعها ومعرفتهم بفن الأثقال ، وقيل : إنها بعد ما بنيت انخفضت بها الأرض من إحدى جهاتها فمالت. وعلى كل فسبب عدم سقوطها هو عدم خروج قطر محيطها بالميلان عن مركز قطبها ، والحاصل أنها من عجائب المناظر. وقيل إن ميلان أعلاها عن مساواة أسفلها أبع ميتروات ، ومثلها في الميلان صومعة أخرى خارج البلد جهة الشرق لكنها ليست في إتقان الأولى ولا في ارتفاعها ، وقد بني حولها بناء ملاصق لها لتوقع سقوطها وبقي أثر الميلان ظاهرا.
وثاني الشيئين الغريبين : الكنيسة ، وهي ليست بكبيرة ولكنها كثيرة التأنق والرونق سيما من ظاهرها وزيادة غرابتها في الصدى الذي يحصل فيها من الأصوات إذ يدوم فيها الصدى ويعتلي على وجه خارق للمعتاد والسبب فيه شكل البنا وطلي الحيطان.
وبعد أن جاوزنا «بيزة» بدلت الأرض غير الأرض التي عهدنا منظرها في بلادنا وما مررنا عليه من كيفية العمران واتصاله وإتقانه ولا يوفي الوصف والقلم بتصويره وتقريبه ، وبالجملة فليس أن كل قطعة من العمران لم نعهدها بل عهدنا مثلها ولنا قطع تضاهي أفراد تلك القطع سواء كانت في البساتين أو في القصور التي بها أو في إثارة الأرض وتعميرها ، لكن الذي لم يعهد لنا هو اتصال ذلك العمران وامتداده وتماثله إلى ما لا يحيط به البصر مع تحسين جهات الإتصال العامة ، فإنها تحدث من ذلك هيئة إجتماعية لها اعتبار زائد فوق اعتبار قطيعات منفردة وإن بلغت من الإتقان ما بلغت.
ثم وصلنا إلى «فيرينسا» فإذا موقف الرتل بها جميل أنيق وإذا بالبلد وسيعة لكن طرقها