القديمة ضيقة ، وأما الجديدة فواسعة شديدة النظافة وتهذيب أخلاق السكان والحضارة ويخترقها نهر على جانبيه رصيف منحوت ، وفي مجرى الماء عرضا عوارض مبنية لحصر الماء كي يكون عمقه حدا محدودا ونشأ من ذاك خرير عظيم له دوي ، وعلى جانب النهر منزه عمومي ممتد أزيد من ميل وبه فوّارات وحدائق وأنوار وفي نهاية المنزه عند ملتقى النهر المذكور بجدول صغير بطحاء بها قبة من رخام صغيرة بلا حيطان مرفوعة على أسطوانات جيدة رخامية عالية على الأرض ، وبوسطها صورة مجسمة من الرخام لأحد أمراء الهند الشبان وملونة بلونه ولون ثيابه الرسمي ، وكان ذلك الأمير سائحا في أوروبا بعد زيارته لملكة الإنكليز متداويا فلما حل «بفيرينسا» مات وكان مجوسيا ، فأرسلت عائلته مكلفا إنكليزيا لرسم صورته في ذلك المحل الذي أحرقت جثته فيه على عادة المجوس ودفن رماده تحتها ، وكان من عاداتهم أن مكان الإحراق يكون في ملتقى نهرين فلذلك فعل به ذلك هناك وجعل على ذلك المحل قيم ووقف وكان ذلك في عشرة التسعين والمائتين وألف.
وفي حدود البلدة من الجنوب منتزه آخر في جبل مرتفع نزه جدا ذو بساتين وقصور وطرق وسيعة سهلة الصعود بالكراريس وفي منتهى ارتفاعه بطحاء وسيعة ذات مصاطب ومنازه وبقربها كنيسة قديمة مرصفة الحيطان من خارج بالرخام الأبيض والأسود تقصد بالتفرج ، وجملة ذلك الجبل منتزه ، ولما صعدت إلى هناك أحسست ببرد شديد لارتفاعه ولبرد الزمن.
ومن أحسن ما بالبلد قصر القلرية الذي به بيت أغلب حيطانه من البلور ، وهو قصر ضخم وبه من التصاوير المرسومة في الخرق المنسوجة مع النسج وفي الورق شيء كثير وكذلك المسجدة من الحجر والنحاس ، وقال بعضهم : إن مجموعها مليون من التصاوير ، كلها في غاية الإتقان تعتني لها المصورون من الآفاق لتقليدها ، ومما بها من التصاوير صور الملوك من جميع الآفاق في أعصار مختلفة ، ومنها : صورة محمد باشا الأوّل والي تونس ، ويتصل هذا القصر بقصر سكنى الملك عند استقراره الحكومة هناك ، وهو قصر كبير ليس بغريب أصله لأحد السكان فاشترى منه لاستقرار الملك ، وهو لا زال مشتملا على جميع المرافق مثل ما تقدم في قصر نابلي.
ومن غرائب البلد ارتفاع قبة كنيسة بها مبنية من ظاهرها بالرخام الأبيض والأسود على أتقن صناعة ، وبها من الأسطوانات الجيدة اللاصقة بذلك الرخام ومن النقش الغريب فيه ما جعلها من أتقن البناآت ، وارتفاع القبة مائة وسبعة عشر ميترو وبإزائها صومعة جيدة ارتفاعها سبعة وسبعون ميتر وهي في البناء على نحو الكنيسة ، وبالجهة الغربية منها صومعة أخرى أعلى منها ومن القبة أيضا ، وبالبلدة عدة ملاهي حسنة. وقد اشتد البرد في هاته البلدة بالنسبة لما اعتدناه وقد أقمت بها ضيفا عند صديقي الوزير حسين التونسي وترجمة هذا الوزير باختصار : هو رجل من الجراكسة أتى إلى تونس وسنه دون العشرة فربي في سراية