الوالي حسين باشا وأدخل إلى مكتب المهندسين العسكرية فحصل مشاركة جيدة في النحو والأدب والفقه ومهارة في الفنون العسكرية وإجادة للغة الفرنساوية ، ثم وظف في عساكر الخيالة بمعية أمير لوائها إذ ذاك خير الدين باشا وسافر معه إلى فرنسا في خصام محمود بن عياد في ولاية أحمد باشا ، ثم ولي رياسة المجلس البلدي بحاضرة تونس وأحدث في الحاضرة إصلاحات عديدة في ولاية محمد باشا ، ثم عند ولاية الصادق باشا ولي رئاسة مجلس الجنايات ومستشارية الوزارة الكبرى وعضوية المجلس الخاص والمجلس الأكبر ، ثم استعفى من الجميع عند إيقاف القوانين ورحل إلى أوروبا وساح سياحات وسيعة إذ كان قبلا عرف أكثر ممالك أوروبا كألمانيا والدنمرك والسويد وهلاندا والبلجيك وإيطاليا وفرنسا وإنكلتره والجزائر والأستانة ، في سفارته منفردا أو مع خير الدين باشا سفيرا عن الوالي المذكور ، وعند استعفائه المذكور رحل إلى المغرب وإسبانيا والنمسا والروسيا وأمريكا ومصر والحجاز ، ثم استدعته الحكومة عند ولاية خير الدين وزيرا مباشرا هو وغيره ممن ابتعدوا عنها ، فولي مستشارا في القسم الثاني من الوزارة ، ثم سافر إلى إيطاليا لخصام ورثة نسيم في حساب مورثهم مع الحكومة التونسية كما تقدم ، وأقام «بليفورنو» حيث مات المورث ولا زال في الخصام إلى الآن ، ثم لقب بوزير الإستشارة ومستشار المعارف وهو ذو أخلاق كريمة وصفات عظيمة ومعارف وسيعة وفصاحة مريعة له عدة رسائل في كثير من المسائل ، وكانت إقامتي عنده في «فيرينسا» في إحدى منازل المسافرين الضخمة قريبا من النهر ، واجتمعت بأشهر حكماء البلد المسمى «شيف» وبعد أن استقرأ تقرير المرض واستخبر الجسم أشار إليّ في مضمون كلامه أن المرض ليس بمخوف ، كما أنه من الأمراض المزمنة وأنه يدافع بترتيب المعيشة في الأكل والمسكن وارتياح الفكر والبدن والإبتعاد من هواء البحر وحسن سكنى الجبال وأن كثرة الأدوية مضر قليل الجدوى ولقد صدق.
ثم طلبت تلغرافيا بقية رحلي وتابعي وسافرت قاصدا باريس مارا على تورين للإستراحة بها ، فركبنا الرتل صباحا وسرنا في الوهاد نحو الساعة على ذلك المنظر البديع ثم تصاعدنا في الجبال وكان للرتل حينئذ مزجيتان ومهما ازددنا تقدما في الإرتفاع إلا وازداد المنظر بهجة ورونقا ، إلى أن انتهينا في الصعود فكان منظرا ترتاح له النفوس ويجلي عن القلوب كل بؤس ، يا له من جمال ويا لله من بدائع صنع بتكوينه وبخلقه بأعمال الرجال ، فالقرى البهيجة منتشرة على مد الأبصار والأشجار تمد أغصانها لتناول الدراري من الأفلاك تخالها بقايا قد انتثرت منها من الثمار ، إذ قد استعوضت عن خضرتها الزبرجدية بالثلوج الياقوتية والأرض والجبال قد بسط عليها بساط الفضة الزلال مع الإتقان في تنضيد الأشجار وإثارة الأرض بالحرث وتدفق المياه من ينابيع العيون ، وسيول أمياه الثلوج المذابة المنحدرة في جداول ثم نهيرات ثم أنهر متبحرة ، ولا يسير الرتل نصف ساعة إلا ويقف على قرية نضرة وتارة يمر حذو رواشن القصور ، وأخرى حول سطوح الديار وطورا ترى البلدان