مستوية ، كما أن من سماتها أن طرقها تكاد أن تكون كلها محفوفة برواقات يمينا وشمالا قائمة سقوفها على أعمدة من البناء أو الحجارة المنحوتة ولا يمشي الراجل إلا تحتها ، وفوقها أبنية القصور والمساكن وإليها تفتح أبواب الحوانيت والديار وغيرها ، وأواسط الطرق للركاب أو العابر من جهة إلى أخرى. وأعظم بطاحها البطحاء التي أمام قصر الملك وهي متسعة جدا في صدرها القصر الملكي وعلى جانبيها مساكن للعساكر ، والجهة الرابعة قبالة القصر في وسطها طريق كبير وعن يمينه وشماله ديار ومنزل المسافرين الذي نزلنا فيه ، وفي وسط البطحاء فوارات وأوّل ما رأيت «الترموي» في هاته البلدة. وهو مركبة ذات عجلات صغيرة من حديد تجري في صفحات من الحديد غائرة في الأرض ممتدة مع الطريق إلى نهاية ما يريدون إيصال السير إليه ، ويجرها إثنان من الخيل ولهم في كيفية إدارتها عند الوصول إلى نهاية الطريق كي ترجع إلى المكان الذي ابتدأت منه كيفيات.
فإحديها : أن في محل الإدارة يكون وقوفها على دائرة من الحديد ذات قطب تدور عليه بسهولة فبإدارة الدائرة تدور المركبة.
وثانيتها : أن المركبة يكون مقدمها ومؤخرها سواء فعند بلوغ النهاية من الطريق تحل الخيل الجارة من تلك الجهة ثم تربط من الجهة التي كانت مؤخرا وتسير المركبة راجعة إلى المكان الذي ابتدأت منه.
وثالثها : أن تكون الصفائح التي تجري فيها العجلات في نهاية الطريق مرسومة على نحو دائرة متسعة ، فتدور بها الخيل إلى أن تعود إلى الطريق الذي جاءت منه ، وكل كيفية من هاته في طريق خاصة وبلد خاص وسبب أعمال هذا الطرق هو لتسهيل جر المركبة على كبرها إذ يركب بها نحو العشرين نسمة في داخلها وعلى سطحها نحو نصفهم ، ولا يجرها سوى فرسين وهي وسيلة كبرى لترخيص أجرة الركوب وسهولة الإنتقال ، فيقف في مراكز معلومة كما تقف لكل من يطلب الوقوف للركوب أو النزول ويؤدي الأجرة زهيدة نحو ثلاثين سانتيم أي ثلاثين من تجزئة الفرنك إلى مائة ، هذا إذا كان المكان بعيدا وأما إذا كان قريبا فبنصف ذلك المقدار ، والقرب والبعد على حسب اتساع البلد وامتداد ذلك الطريق لكن القريب على كل حال لا يقصر عن الميل. وهاته البلدة بها نهر عظيم ومنظره خارج البلد بهيج وبقربه في إحدى تلك الجهات منزه عمومي كبير نزه وجبل به أماكن للأكل والقهاوي ، وقصر الملك حسن جدا وكبير متسع مونق في تزويقه بالذهب والألوان وبه جميع فرشه وحوائجه ، وقد كانت هاته البلدة هي قاعدة مملكة «الساردو» الذي استولى على جميع إيطاليا واتحدت أخيرا تحت ملكها ، وبها خزنة للكتب عظيمة جدا وعند ما دخلتها علمت كبير الفرق بين أهالي هاته البلاد وأهالي نابلي ، فإن الثانية لما دخلت خزنة كتبها لم أجد إلا أفرادا لا يتجاوزون جمع القلة وهاته لما دخلت إلى خزنة كتبها وجدتها مفعمة بمئات من الرجال وقليل من النساء كل منهم منكب على المطالعة في كتاب ولا تجد حسا