حيث ضرب سيدنا عمرو بن العاص (١) فسطاطه في الفتح ، وعند إرادته للتقدم جهة الإسكندرية التي هي القاعدة إذ ذاك وجد يماما قد فرخ على عمود فسطاطه فأجاره وأبقى الفسطاط إلى أن رجع الجيش بعض الفتح واختط المدينة حول الفسطاط فسميت به ، ثم لما تغلب المعز الفاطمي (٢) على مصر على يد قاده جوهر (٣) اختط القاهرة وصارت هي دار الإمارة.
وهي مدينة رحيبة يمر النيل بمحاذاتها وعليه آلات بخارية لرفع الماء وتصفيته وإرساله في قنوات تفرق على جميع المدينة ، وعليه جسر حديد طوله ٥٠٠ ميترو وعرضه يمر عليه ستة عجلات ، وعلى حافتيه طريقان للمشاة وقد صنع سنة ١٢٧١ ه وعلى حدودها جبل شاهق عليه قلعة حصنها وكانت مستقر الأمراء ، وهي ذات حصون متينة صناعية مشحونة بالمدافع من الطرز الجديد الضخم زيادة على تحصينها الطبيعي ، وتنظر منها سائر المدينة وأريافها ، فترى عظم اتساعها. وبهاته القلعة جامع ضخم ذو قبة شاهقة جدا ومنائر جميلة مرتفعة وبه إسطوانات من المرمر الملون ذات بهجة وارتفاع عظيم وبصحنه الرحيب متوضأ أنيق جيمل ، وبنى هذا الجامع محمد علي باشا كما أنه أتقن قصر الحكم بها وهو ذو بيوت وسيعة وأواوين رحيبة مشتمل على جميع الفرش ، ولا زال هو القصر الرسمي للمواكب المهمة وإن لم يكن فاخرا مثل القصور المحدثة التي يقيم بها الخديوي ، وبالقعلة أيضا معسكر وديوان نظارة الحرب وبها بئر عميق جدا يدعي الجهال أنه جب يوسف عليهالسلام ، وكان الحامل لهم على ذلك غرابة وجود بئر في ذلك الإرتفاع فعدوه معجزة ، وبالقاهرة أسواق كثيرة جدا بل إني لم أر بلدا أكثر منها حوانيتا في سائر الجهات ، وأهم طرقها القديمة هو الطريق الموصل من الأزبكية إلى جامع سيدنا الحسين ويسمى بالموسكى ، فهو متسع في بعض جهاته نحو ثمانية أو عشرة أمتار وفي بعضها نحو الخمسة أمتار ، وأما بقية الطرق القديمة فأكثرها لا تمر به العجلات وبعضها تمر به عجلة واحدة ، نعم إن الطرق الجديدة التي افتتحها إسماعيل باشا (٤) في عشرة الثمانين والمائتين وألف في
__________________
(١) هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي ، أبو عبد الله (٥٠ ق. ه ـ ٤٣ ه) فاتح مصر ، وأحد عظماء العرب. أسلم في هدنة الحديبية. أخباره كثيرة. توفي بالقاهرة. الأعلام ٥ / ٧٩ الإصابة ٥ / ٢ رقم الترجمة (٥٨٧٧) وجمهرة الأنساب (١٥٤).
(٢) هو معد (المعز لدين الله) بن إسماعيل (المنصور) ابن القائم بن المهدي عبيد الله الفاطمي العبيدي ، أبو تميم (٣١٩ ـ ٣٦٥ ه) صاحب مصر وإفريقية ، وأحد الخلفاء في هذه الدولة. ولد بالمهدية (في المغرب). وتوفي بالقاهرة. الأعلام ٧ / ٢٦٥ ، المنتظم ٧ / ٨٢ وفيات الأعيان ٢ / ١٠١ ، الكامل في التاريخ ٨ / ١٦٥ ـ ٢٢٠ وهدية العارفين ٢ / ٤٦٥.
(٣) هو جوهر بن عبد الله الرومي ، أبو الحسن. قائد باني مدينة القاهرة ، والجامع الأزهر. كان من موالي المعز العبيدي ومن عظماء القواد في دولته ، توفي سنة (٣٨١ ه). الأعلام ٢ / ١٤٨ وفيات الأعيان ١ / ١١٨ ، النجوم الزاهرة ٤ / ٢٨ ومعجم البلدان ٧ / ١٩.
(٤) هو إسماعيل (باشا) بن إبراهيم بن محمد علي الكبير خديوي مصر (١٢٤٥ ـ ١٣١٢ ه). ولد في ـ