غير أنه لم يركب في الطبقة الأولى سوى السيد وبرفقته أخوه السيد أحمد وابن عمه السيد عبد القادر وجوار له وبعض من الخدمة القائمين بين يديه ، لأنه أبقاه الله قد اتخذ في الحجرة الكبرى في الباخرة إحدى زواياها واختص بها وفرش بها فرشا عربيّة وكانت خدمته هم القائمون بشؤونه زيادة عما يباشره خدام الباخرة مثل كونه يأكل منفردا هو ومن معه على مائدته الخاصة في الأرض من خصوص طعامه الذي يطبخه له طباخه الخاص ، غير أنه من مكارم أخلاقه كان يتحرى للأكل وقت أكل الرفقاء بحيث كنّا نتخاطب وكل منا على مائدته حتى على الطعام الذي بين يدي كل منا إذ كنت أجلس مع بقيّة ركاب الطبقة الأولى أنا وتابعي في ذلك الإيوان للفطور والعشاء ، وسارت بنا الباخرة ثلاثة أيام فوصلنا جبل الطور ووقفنا هناك مدة الحمية وهي يومان وأنزل كل من كان بالباخرة إلّا أصحاب الطبقة الأولى ومن أنزل أبقى رحله في الباخرة إلّا القدر الذي يحتاجون إليه ، وأخبرونا عند صعودهم أنه لم تحصل لهم مشقة لقلة الإزدحام وكان من هؤلاء الترك رجل من أهل بوسنه يعرف قليلا من العربي حصلت بيني وبينه مودة ، حتى استأذنت عليه رئيس الباخرة وأذن له في الجلوس معي بإيوان الطبقة الأولى وهو جميل الأخلاق له بعض مشاركة في النحو والفقه وقد ترجم يوما بيني وبين أحد الترك الروسيين من أهل ولاية قازان وإن كان تفهمه منه عسر جدّا لأن لغته مخالفة للغة التركيّة العثمانيّة ، وله بعض إطلاع على العربيّة من جهة كونه قرأ بضاعة مزجاة في الفقه فسألته عن حالة المسلمين أهل بلده من جهة الأحكام الروسيّة ، فكان مآل كلامه أن الروسية لا زالت محترمة لهم في أحوالهم الشخصية ولا يتداخلون فيما شجر بينهم إذ مرجعهم في ذلك إلى حكام منهم ، وكأن هذا خاص بأهل تلك الولاية التي صارت مع الروسية على توافق لطول عهد استيلائها عليهم ومحافظتهم على الشروط التي خضعوا بها إليها ، لأن الروسيّة مجرية في الولايات التي استولت عليها في الحرب الأخيرة مع الدولة العثمانيّة ما هو جار في بقيّة ولاياتها وألزمت جميع السكان من مسلمين وغيرهم بأن يكون التعليم بلغتها فقط لأن اللغة هي التي توحد الجنسيّة فإذا تنوسيت لغتهم صاروا روسيين حتى في الجنسيّة ، ثم أنّا وصلنا إلى خليج السويس الموصل بين البحر الأبيض والبحر الأحمر وهو إحدى مآثر هذا القرن ، لأن السفن صارت تصل من شطوط المغرب في أفريقيا إلى شطوط الصين والهند في أيام قليلة لا تتجاوز الشهر إلى أبعدها بعد أن كانت يلزمها عدة أشهر لأنها كانت يلزمها الخروج من خليج طارق ثم تحيط بجميع قارة أفريقية بالبحر المحيط ثم بحر الهند ، فلعمري أنها لمأثرة مفيدة للتجارة على العموم وإن كانت فيها مضرّات سياسيّة بالنسبة لكثير من المسلمين وقد روي أن عمرو بن العاص استأذن سيدنا عمر بعد فتحه لمصر ليفتح خليجا موصلا ما بين البحرين ولعله بهذا المكان الذي هو عليه الآن لأنه أصلح الأماكن لذلك حيث كانت بالوسط بحيرات عميقة مغنية عن حفر خليج فيها. ثم أن سيدنا عمر سأله عن هذا الخليج الذي يراد فتحه : هل يحصل به فصل بين أرض جزيرة العرب ومصر؟ فأجابه : بنعم ، فقال : لا أفصل بين أرض المسلمين بالبحر ، ويقال إن سيدنا علي رضياللهعنه قال للخليفة عندما استشار كبار الصحابة في ذلك أنه إذا