تمّ ذلك الخليج تصير سفن الروم تضرب إلى جده وغيرها من مراسي بلاد العرب وليس للمسلمين سفن تعارضهم فيسهل عليهم غزو بلاد الإسلام ، ولذلك كتب سيدنا عمر رضياللهعنهم أجمعين إلى عامله عمرو بن العاص بأن يضرب عن ذلك صفحا ويمكن أن يكون الخليج في أصله موجودا في العهد القديم.
ثم أن الرمال تراكمت في إحدى جهاته على ما سيأتي ذكره فسدت البحر وامتدّ عرضها إلى أن صارت الأرض واحدة ما عدا البحيرات التي في الوسط على سمة واحد التي ربما دلت على اتصال البحر سابقا. ويدل على هذا أن بعض المفسرين روى في تفسير قوله تعالى : (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) [الكهف : ٦٠]. في قصة موسى والخضر عليهماالسلام ، أن بعض المؤرخين يقول إن المراد بالبحرين هما بحر فارس والروم أما بحر الروم فهو معلوم وأما بحر فارس المعروف الآن فيستحيل أن يتصل ببحر الروم الذي هو البحر الأبيض خصوصا في هذا الزمن القليل نسبيّا من زمن موسى عليهالسلام إلى ما قبل البعثة المعروف فيه حالة الأرض على ما هي عليه الآن ، فلا يصح ذلك الكلام إلّا إذا كان البحر الأحمر يطلق عليه بحر فارس سابقا لأنه متصل به وقريب منه جدّا لأنهما يلتقيان الآن في جزيرة العرب أي شطوطها الجنوبيّة فلا يبعد أن يكون الإسم يطلق سابقا على الجميع سواء. واتصال البحر الأحمر ببحر الروم سهل جدّا لما مرّ بيانه ولما هو مشاهد بالفعل حيث اتصلا في هذا الزمن ، وسبب هذا الإتصال هو أن رجلا فرنساويّا يقال له فردنان دي ليسبس له مهارة في الهندسة وهو من مشاهير قومه بدى له يوما إمكان اتصال البحرين بهذا الخليج ، وأعانته على مرغوبه دولته لمآرب سياسيّة في قرب الإتصال بالهند لعله يمكن لها يوما ما أخذ الثار من الإنكليز على نحو ما سبق في تاريخ الدولتين ، فساعفهم على قصدهم والي مصر إذ ذاك سعيد باشا ابن محمّد علي باشا ، وكان الإنكليز من أشد المعارضين في ذلك سرّا وكأن الأقدار تقول لهم (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦] فإنهم حصلوا فيه على أكبر فائدة ، إذ صارت سفنهم هي أكثر السفن المارة به مع تحصيلهم على مآرب أخرى سياسية كتداخلهم في القطر المصري وغير ذلك زيادة عن كونهم صاروا هم المالكين للقسط الأوفر منه ومحصلين على أرباحه الباهرة ، وذلك لأن فردنان دي ليسبس ألف جمعيّة لذلك العمل وجعلت هاته الجمعيّة التي هو رئيسها رأس مال لمصاريف العمل وجعلته على أوراق ذات أسهم تباع وتشترى لكل من أراد ، وكان للحكومة المصريّة من تلك الأوراق ما مقدار قيمته نحو المائة مليون فرنك وآل الأمر بعد ذلك إلى بيع إسماعيل باشا خديو مصر لأسهم حكومته فاشترتها الدولة الإنكليزيّة تماما زيادة عما اشترته سابقا ولا حقا من الأسهم أفذاذا ، وصار دخل هاتيك السهام يوازي أصل قيمتها حتى صارت كل رقعة منها أصل سعرها خمسمائة فرنك تباع الآن بألفين وثلاثمائة فرنك أو نحو ذلك ، لأن تلك الجمعيّة شرعت في العمل وتممته بحفر خليج من البحر الأحمر بمحاذات مرسى السويس وأوصلته بالبحيرة الأولى ، ثم حفرت خليجا بين هاته البحيرة والبحيرة الثانية إلى