أن وصلت إلى البحر الأبيض ، وعندما تم عملها عقد إسماعيل باشا خديو مصر لفتح هذا العمل الغريب موكبا مشهودا جعل به القطر المصري كأنه دار عرس واستدعى إليه ملوك أوربّا كلهم لمشاهدة مرور أول باخرة تمر في ذلك الخليج ، وكذلك أعيان غيرهم من الأروبّاويين وكل من قدم منهم فمصاريفه مدة إقامته بالقطر المصري على الحكومة المصريّة ، ولهم أن يتفرجوا حيث شاؤوا وقد ساح بعضهم حتى إلى السودان مع القيام بكل منهم على حسب مقامه أعظم قيام ووفد عليه من ملوك أوروبا العظام إمبراطور النمسا وإمبراطورة الفرنسيس أي زوجة الإمبراطور وولي عهد كل من إنكلترا والروسيا وبروسيا فضلا عن بقيّة الملوك المتوسطين والصغار ، وصرفت في ذلك كله من الحكومة المصريّة أموال تكاد أن لا تحصى تعاظمت بها ديونها وذلك كله لمآرب سياسيّة لم ينجح منها المقصود ونشأ عنها وحشة مع الدولة العثمانيّة آلت إلى الرضاء بعد صرف أموال باهظة ، ثم استقر عمل جمعيّة الخليج على إقامة فعلاء ومراقبين على محافظة الخليج ويستخلص على كل سفينة تمر فيه مقدار معلوم من الأموال على حسب حمولتها ونوعها حربيّة أو تجاريّة ، وفي رأس كل سنة تقسم الأرباح على أصحاب الأسهم بعد إخراج المصاريف المستمرة لأن الخليج من جهة السويس لم تزل الرمال تنثال عليه منذ فتحه إلى الآن لولا شدة العمل في رفع تلك الرمال ليلا ونهارا على مسافة طويلة تزيد عن العشرة أميال.
ومع ذلك كله فقد شاهدت في الباخرة التي اجتزنا فيها أن سيرها كان بطيئا جدا هناك وكذلك غيرها احتراسا من الغرز في الرمل مع كثرة العلامات المجعولة في المياه لمحل المرور ، ومع ذلك كله قد اصطدمت الباخرة في الرمل عدة مرار حتى أني خلت أنه عمل لا يدوم لشدة التعب الذي شاهدته من العملة في جلبهم للسفن والبواخر المصطدمة في الرمال حتى كأنها تجر بالأيدي مع كثرة ومداومة العمل بالآلات الرافعة للرمال ومع ذلك كله لا تجتاز فيه إلّا سفينة واحدة وفيه أماكن لوقوف السفن إذا كانت تعارضها سفينة أخرى أي إحداهما غادية والأخرى رائحة فتلك الأماكن وسيعة تمر بها السفينتان ولذلك يجعلون علامات على أعمدة مرتفعة في البر يمينا وشمالا ليدرك منها رئيس الباخرة ما يأمره به محافظو الخليج من الوقوف أو المشي السريع أو البطيء أو غير ذلك ، ولذلك رأيت رئيس باخرتنا قد أخرج كتابا فيه تلك العلامات وشرح المراد منها ليعمل بمقتضاها عند دخوله إلى الخليج وبسبب ذلك كانت السفن لا تتحرك فيه ليلا في تاريخ مرورنا وقد وقفنا مرة لمعارضة باخرة إنكليزيّة حربيّة ذاهبة إلى الهند حاملة للعساكر ، فلما مرت بنا خيل إلينا إنا راكبون في زورق مع أنا راكبون في أعظم البواخر البريديّة لكن عظم تلك الباخرة الحربيّة التي هي من نوع الفرقطين خيل إلينا ذلك ، فإنها كانت ذات ثلاث طبقات من المدافع وحاملة لأربعة آلاف وخمسمائة عسكريّا وكثير منهم معهم عيالهم وكانوا على همجيّة فإنهم لما رأونا صاروا يصرخون ويضحكون ، ثم وصلنا إلى مرسى الإسماعيليّة التي هي بوسط الخليج وبقربها ينصب جسر يصل بين آسيا وأفريقيا ولا ينصب إلّا عند وجود المارين