ويدفعون عليه خراجا للحكومة المصريّة ، وبتنا بالخليج ليلتين وفي صبيحة اليوم الثالث وصلنا إلى بورت سعيد ووقفنا بضع ساعات وكان عمال الحكومة المصريّة حارسون لباخرتنا لكي لا ينزل منها أحد لأنهم رسموا في ذلك التاريخ بأن لا يدخل إلى القطر المصري حاج إلّا من هو من أهله ، لأنه كان كثير من المغاربة يدخلونه وهم فقراء فربما حملوا الأهالي والحكومة مصاريف لرجوعهم إلى أوطانهم ، ولذلك أعلنوا بذلك التحجير. ثم قفلنا من هناك إلى أن وصلنا إلى مرسى بيروت أعظم مراسي ولاية الشام المعروفة بسورية فطلب مديرو جمعيّة تلك الباخرة من الركاب أن ينزل منهم إلى تلك البلدة كل من كان قاصدا القسطنطينيّة وما حولها ، وأما القاصدون بوسنه وهرسك وغيرها ممن تكون لهم مرسى تريست طريقا فإنهم يبقون في الباخرة لأنها قاصدة هناك توّا والذين ينزلون وكانت الباخرة تعهدت لهم بالوصول إلى القسطنطينيّة وما حولها فإنهم ينتظرون هناك إلى أن تأتيهم بعد خمسة أيام باخرة أخرى لجمعيّة الباخرة الأولى وتحملهم إلى مقاصدهم وكل من أراد من هؤلاء أخذ مصاريفه مدة انتظاره فله ذلك يدفعها إليه القيمون بأمر شركة تلك البواخر البريديّة النمساوية المسماة بشركة لويد ، وقد أخذ منهم بالفعل كثير ممن نزل لكن بعد مشقة لعدم التفاهم حيث كان أغلبهم من الترك الروسيين الذين قل من يعرف لغتهم ولإستشاطة بعضهم في مقدار المصاريف التي طلبها مع أن اللجنة مقومة لأهل كل طبقة مقدارا عن كل يوم لم أعلم ما هو لأني صرفت النظر عنه حيث كان النزول هناك من أعظم مرغوباتي لمزيد التأنس بذلك السيد الجليل القادري وللتعرف بتلك البلاد.
فنزلت هناك وكانت المرسى صعبة جدّا لبعد إرساء الباخرة عن الشط وركوبنا في زوارق مع هيجان البحر وبعد أن خلصنا رحلنا من الكمرك الذي لم نر من أهله إلّا خيرا ، دخلنا إلى البلاد راجلين لقربها وعدم وجود ما يركب حول الكمرك فدلني رجل من المتشبثين بخدمة المسافرين على منزل للمسافرين قريب من جهة طريقنا كاشف على البحر ، فإذا هو منزل لأحد الإفرنج مثل منازل أوربا المتوسطة الحسن وأخذت به بيتا واسعة ذات حجرة للنوم والصناديق وحجرة للجلوس واغتسلت في حمّامه بيتا واسعة ذات حجرة للنوم والصناديق وحجرة للجلوس واغتسلت في حمّامه وبتنا تلك الليلة والأكل فيه حسن.
ومن غد شرعنا في زيارة بعض أعيان البلاد والتفرج على منازهها ومنافعها ، فإذا هي بلد جميلة الوضع في سيح جبل مطلة على البحر وحولها كثيب رمل وجبل لبنان بحيث أن حدوده منها على نحو ربع ساعة مجعول له علامات وله إدارة ممتازة كما سيأتي في محله وواليه يسكن في الشتاء في بيروت وهو إذ ذاك رستم باشا ، وقد رأيته يوما راجعا من الجبل إلى داره متخذا أبهة فاخرة في عجلة يجرها ثلاثة من الخيل العتاق وأمامه فارس ووراءه أربعة من العساكر الخيالة متسلحين وبندقيّة كل منهم حاملها في وجهه ، وهذا الباشا هو شيخ مسنّ أصله طلياني خدم الدولة العليّة بنصح وشاخ في خدمتها وسمعت الثناء عليه في تلك البلد وغيرها من مسلمين وغيرهم ، غيور على الدولة محافظ على ناموسها ومصالحها