ولد بمدينة حلب في ٢٩ يونيو سنة ١٨٣٦ (١٢٥٢ ه) من أرومة طيبة الأصل ، ولما بلغ الرابعة من عمره أصيب بداء الحصبة ، وثقلت وطأتها عليه حتى كادت تودي به ، ثم منّ الله عليه بالشفاء ، إلا أنه بقي من آثارها في جسمه وبصره ما نغص عليه عيشه وأوهن قواه مدى العمر ، ولبث في حلب إلى أن يفع يتلقن القراءة ثم مبادىء العلوم ، إلى أن كانت سنة ١٨٥٠ فسار به والده إلى أوربا واستصحبه معه ، فتجول فيها مدة تنيف على السنة ، ثم رأى والده أن يطيل مكثه في فرنسا لضرورة دعت إلى ذلك ، فأرجعه إلى حلب وبقي فيها إلى سنة ١٨٥٣.
ولما عاد والده من أوربا في هذه السنة دعته مقتضيات تجارته إلى التعريج على بيروت ، فعرج عليها ، واستدعاه من حلب فسار منها إلى بيروت وأقام معه بها نحوا من سنة ، ثم عاد إلى مسقط رأسه وألقى به عصا التسيار مدة مديدة ، وأقبل يشتغل في خلالها بالأدب وهو الفن الذي كان قد ولع به منذ صبوته ، حتى إنه عرف له نظم على طريقة الصبيان نظمه وهو ابن تسع سنين ودونها.
ولكنه لم يقصر درسه على الأدب وحده ، بل أقبل يدرس غيره من العلوم ، وكان يتخرج في كل علم منها على من يلقاه من الأساتذة. ولما رأى آخر الأمر أن علم الطب لا يبلغ أحد منه أربا ما لم ينل الإجازة في تعاطيه عملا ، وتيقن أن أعظم الإجازات اعتبارا في تلك الأيام ما كان صادرا منها من مدرسة باريز ، رحل في طلب ذلك إلى هذه المدينة حوالي سنة ١٨٦٧ وأقام بها نحوا من سنتين يتردد على مدرسة الطب فيها إتماما لدروسه واستعدادا للامتحان ، ولكن صروف الدهر عاندته وخانته الجدود العواثر من وجوه أخرى ، فاعتراه من أسقام البدن وضعف البصر ما صرفه عن المثابرة على الدرس ، فلم يظفر بمراده من التقدم للفحص لنيل الإجازة ، بل اضطر أن يقفل راجعا إلى حلب وهو عليل ومكفوف البصر أو يكاد. ولم يزل مقيما بحلب إلى أن توفاه الله في أواسط سنة ١٨٧٣ (١٢٩٠ ه).
أما تصانيفه فالمطبوع منها «غاية الحق» و «مشهد الأحوال» وكلاهما مطبوع في بيروت. وله ديوان سماه «مرآة الحسناء» أرسله بحياته إلى سليم البستاني فطبعه له في مطبعة المعارف في بيروت. أما الكتابان الأولان فقد سلك فيهما مسالك فلسفية وبث فيهما آراءه