العبرات وتردد الحسرات. وقد نظم قسطاكي بك حمصي هذه الأبيات لتنقش على ضريحه :
هاهنا اليوم ثوى بدر النهى |
|
بعدما كان ينير الخافقين |
هاهنا قد ألحدوا بحر الحجى |
|
فيلسوف القطر نظّام اللجين |
ذاك جبرائيل دلّال الذي |
|
فضله قد ضاء مثل الفرقدين |
يا أولي الفضل الثموا هذا الثرى |
|
واندبوه أثرا من بعد عين |
وترجمه صاحب مجلة المشرق في السنة الثالثة عشرة منها ، ومما قاله أنه نشأ على آداب والده ودرس في مدارس المرسلين في عين طورا وحلب ، وكان مغرما بالعلوم العصرية فأحرز منها حصة حسنة ، وانكب على الفنون العربية ودرس آثارها نثرا ونظما فصار من أوسع أهل وطنه معرفة بآداب العرب. وسافر غير مرة إلى الآستانة وتعلم فيها التركية ، وتجول في الأقطار حتى بلغ إسبانية والبرتغال وبلاد الجزائر ، وحط عصا التسيار في باريس فحرر مدة صحيفة (الصدى) لسان حال السياسة الفرنسوية ، وصار ترجمانا لوزارة المعارف. وتعرف في منصبه بكثيرين من أهل الوجاهة القادمين إلى باريس. ثم استدعاه الوزير خير الدين باشا لما قلد منصب الوزارة إلى دار السلطنة لينشىء فيها صحيفة (السلام) ، ولكن تلك الجريدة لم تلبث أن تلغى بعد استقالة خير الدين باشا ، فطلبه المكتب العلمي في فيانا ليدرس العربية في كليتها ، ففعل مدة سنتين ، وصنف هناك بعض المصنفات ، منها رسالة في ملخص التاريخ العام ورسالات لغوية. ثم عاد إلى وطنه سنة ١٨٨٤ بعد تغيبه عنه عشرين سنة. فبقي مدة يتعاطى الآداب ، وهناك اجتمعنا به سنة ١٨٨٧ ونقلنا بعض مخطوطات مكتبته ، وما كنا لنظن أن هذه المكتبة ستباع يوما ويقع في يدنا كثير من آثارها.
وكان صاحب الترجمة لاختلاطه بأهل السياسة في أوربة عرف ما تقتضيه بلاده من الإصلاحات ففرط منه بعض أقوال نقلت إلى ذوي الأمر ، فألقي في الحبس وبقي هناك إلى يوم وفاته في سنة ١٨٩٢ ، وقيل إنه قتل مسموما في اليوم الذي جاء الأمر بإطلاقه والله أعلم.
وكان بين جبرائيل الدلال وبعض مشاهير العصر وشعرائه مراسلات ومساجلات ، وله قدود غناء وكان بارعا بأصول الموسيقى.