وكان من ظلم الوالي بعد عزل الفقيد من رياسة البلدية أنه أرجع راتب الجاويشية كما كان ، وألزم صاحب الترجمة بدفع ما كان زاده لهم في مدته إلى صندوق البلدية ، كما ألزمه بدفع ما أنفق على سلاسل الحديد التي منع بها الجمال من المدينة لأن الوالي أمر بإزالتها عقيب عزله ، ثم عاد فأمر بإعادتها بعد زمن قريب ، ولكنه لم يعد إلى الفقيد الغرامة التي ظلمه بها.
ولما عين رئيسا لكتاب المحكمة الشرعية كانت المحكمة في أسوأ الأحوال في الصورة والمعنى ، فكان ينفق على إصلاحها من جيبه ، حتى إنه استحضر لها السجوف والأستار من بيته ، ومنع اختلاط النساء بالرجال إذ جعل لكل مكانا ينتظر فيه دوره للتقاضي ، ورتّب الأوقات ونظّم الدفاتر.
وكان صاحب عزيمة ، لا يهاب حاكما ولا يخاف ظالما ، وعزيمته هي التي جنت عليه ، فقد كان نجح في عمله عندما عين مديرا ومفتشا لمصلحة حصر الدخان كما تقدم في السيرة الرسمية ، حتى وقع النزاع بينه وبين عارف باشا والي حلب يومئذ فبطل العمل.
عمل الفقيد في ضبط هذه المصلحة ما عجزت عنه إدارتها العمومية والحكومة جميعا ، حتى كانت تخسر في ولاية حلب دون سائر بلاد الدولة.
وكان المشتغلون بتهريب الدخان البلدي وبيعه في حلب سبعمائة رجل ، فعين لهم رواتب شهرية ومنعهم من التهريب بحكمة عجيبة. وسيأتي مجمل خبره في عداء الوالي عند الكلام على بعض الصعوبات التي لقيها في طريقه.
كانت مدة الاتفاق الأول مع مصلحة حصر الدخان ثلاث سنين ، فانفصل من إدارة العمل والتفتيش بعد سنتين بالسبب الذي ألمعنا إليه. ولثقة الفقيد بنفسه واقتداره على العمل ذهب إلى الآستانة بعد عزل عارف باشا من ولاية حلب ، فعقد اتفاقا آخر مع المصلحة والحكومة مدته عشر سنين. وكان أراد أن يضم إلى ولاية حلب ومتصرفية دير الزور ولايتي بيروت وسورية فلم يرض له ذلك من استشاره من الأقربين ، فرجع عنه وقد نجح أيضا في المرة الثالثة ، ولكن بعد أربع سنين حدثت الفتنة الأرمنية فنهب الأرمن الدخان من عدة بلاد وقتلوا موظفي المصلحة ، فكان الفقيد يخسر في الشهر بضعة عشر ألفا من