ويغنيهم عن المحاكمة والتقاضي ، فإن احتيج في قضية إلى الحكومة يندب لها من يراه أهلا لها من الوكلاء المحامين ، وإن كانت عظيمة الشأن يندب نفسه ويحاكم المبطل حتى يحق الحق لصاحبه. وقد كان قصاد ذلك المركز يكادون يزيدون على قصاد دار الحكومة نفسها تستشيره في الشؤون الغامضة وتعتمد على رأيه.
مقاومة الحكام له :
ورث المترجم عن سلفه السادة الأمراء علو الهمة وقوة العزيمة وعدم المبالاة بالأخطار ، فهو من سلالة السيد إبراهيم الصفوي الأردبيلي المهاجر إلى حلب. وما حديث الصفوية في الإمارة بمجهول. بهذا كان رحمهالله تعالى لا يهاب الحكام ولا يداريهم مع أن حكومتهم في الحقيقة استبدادية.
وهذا هو الذي أحبط أعماله في بلده وذهب بثروته. غاضب عارف باشا أحد ولاة حلب ، فأغرى بعض الناس أن يكتب إلى الآستانة شاكيا من سيئات الوالي شارحا لها ، فعلم الوالي بذلك ، فعمل مكيدة لحبس المترجم وضبط أوراقه وزوّر عليه ورقة سماها (لائحة تسليم ولاية حلب إلى دولة أجنبية) وطلب محاكمته عليها ، وحكم القانون في هذه الجريمة بالإعدام ، ولكنهم غلطوا في معاملته بالحبس وطلب الاستنطاق غلطا قانونيا ما كان ليخفى على المترجم ، فكتب إلى الآستانة كتابة مطولة يظهر فيها أن خروج حكومة الولاية عن حدود القانون هو من دلائل تحاملها عليه وتحريها ظلمه ، وطلب أن يحاكم في ولاية أخرى ، فأجيب طلبه وحوكم في بيروت ، فحكم ببراءته ، وما زال يتبع الوالي حتى عزل بعد عودته إلى حلب ، وكان هو أول من بشره بالعزل بواسطة قاضي الولاية. ثم إنه أخرجه من حلب بإهانة عظيمة لأنه أو عز إلى أصناف الفقراء الذين كانوا يسمون المترجم أباهم لنصرته إياهم ، فاجتمعوا عند داره بهيئات غريبة ، فترك أهله وخرج كالهارب وسافر إلى الآستانة ، وتبعه المترجم ليحاكمه ، ولكنه لم يكد يصل إليها حتى مات قهرا.
وكان الشيخ محمد أبو الهدى أفندي الشهير من أعدائه ، ويقال إن السبب الأول في ذلك إباء الفقيد أن يصدق على نسب الشيخ أبي الهدى هذا ، وإن الشيخ أبا الهدى صار نقيب أشراف حلب وكانت هذه النقابة من قبل في آل الكواكبي. ومن آداب الفقيد العالية أنه كان هنا يثني على صفات الشيخ أبي الهدى الحسنة كالمروءة والكرم والذكاء والثبات ،