وقلما يخوض بانتقاده إلا مع الخواص الذين يعرفون الحقائق ، فكانت عداوتهما عداوة العقلاء.
خسر المترجم بتلك المحاكمة وبإدارة شركة انحصار الدخان للمرة الثانية مبلغا جسيما ، لأن الحكومة مكلفة بحفظ أماكن الشركة ، فلما حدثت فتنة الأرمن امتنع الوالي عن إرسال العساكر لمنع نهب الأرمن مال الشركة.
خسر بعدم مداراة الحكام غير ذلك من المزارع والأراضي. (منها) مزرعة جميل باشا الوالي اشتراها منه المترجم ، فاعتدى عليها زعماء التركمان بإغراء خفي حتى أخذوها. (ومنها) مزرعة كانت مستنقعات تابعة للأراضي الأميرية ، فألف لها شركة وأخذها من الحكومة وجففها ، فأغرى المغرون بعض عشائر الأكراد بالتعدي على حصته خاصة ، فحاكمهم فحكم لهم عليه بالمساعدة الخفية. وفي إثر ذلك سافر مهاجرا إلى مصر.
سياسته ورأيه في الإصلاح :
لم يكن المترجم في اشتغاله بخدمة بيته وبلده وحكومته غافلا عن شؤون المسلمين العامة ، فقد كان يقرأ الجرائد التركية والمصرية حتى الممنوعة التي كانت تدخل إلى حلب كغيرها بوسائط خفية. ولما هاجر إلى مصر كان أول أثر له فيها طبع سجل جمعية أم القرى ، وكان يقول إن لهذه الجمعية أصلا وإنه هو توسع في السجل ونقحه ست مرات آخرها عند طبعه منذ سنتين ونيف ، أعني عقب قدومه إلى مصر. وقد قال لنا مرة : الإنسان يتجرأ أن يقول ويكتب في بلاد الحرية ما لا يتجرأ عليه في بلاد الاستبداد ، بل إن بلاد الحرية تولّد في الذهن من الأفكار والآراء ما لا يتولد في غيرها. ومن يقرأ الكتاب يظن أن صاحبه صرف معظم عمره في البحث عن أحوال المسلمين وتاريخهم وعقائدهم وعلومهم وآدابهم وتقاليدهم وعاداتهم ، ومنه يعلم رأي المترجم في الإصلاح.
وقد كنا معه على وفاق في أكثر مسائل الإصلاح ، حتى إن صاحب الدولة مختار باشا الغازي اتهمنا بتأليف الكتاب عندما اطلع عليه. وربما نشير إلى المسائل التي خالفنا الفقيد فيها في هامش الكتاب عند طبعه ، وأهمها الفصل بين السلطتين الدينية والسياسية.
أما آراؤه ومعارفه السياسية فحسبنا منها كتاب «طبائع الاستبداد» الذي كاد يكون