بثلاثين ألفا وعساكر الجبل بخمسة عشر وذلك ما عدا المتطوعين. وكان قواد هذه الجيوش يراسلون محمود كامل باشا ويرجون منه أن يقلع عن المقاومة ويسلم بالشروط التي يرتضيها ، وهم مع ذلك كانوا يرسلون له بالأراجيف من سقوط القلاع والبلاد والآستانة وأن السلطان في الأسر ، فكان كل ذلك لا يؤثر على محمود كامل باشا ، وكان تارة لا يرد لهم جوابا ، وتارة يجاوبهم أن لديه من المؤن والذخائر والعساكر ما يكفيه سنين ، في حين أنه لم يكن لديه من كل ذلك إلا القليل ، بل وصلوا إلى التغذي بلحوم الدواب الضعيفة والمريضة وبالكلاب والهررة.
ولما لم يقبل محمود شوكت باشا بشروط الصلح ، وكان قد نظم ما لديه من الجيوش بعض التنظيم وأعد لأعدائه ما استطاع من قوة ، استأنف القتال وقاتلت الجنود والضباط قتال المستميت ، وحملت على جيوش الأعداء المتجمهرة أمام جتالجة حملات عنيفة وذادت عن حياض الآستانة ذود الآساد عن عرينها ، فانكسرت جيوش الأعداء شر كسرة وولت الأدبار ، وطاردتها الجيوش العثمانية إلى أدرنة ، وهناك حاصرتها مدة وجيزة ثم استردتها.
وبعد استرداد أدرنة وقسم كبير من البلاد تداخلت الدول بالأمر ، فعقد هدنة أخرى وبوشر بمذاكرات الصلح وأشقودرة لم تزل مثابرة على الدفاع.
وفي أثناء ذلك كان مجلس الوكلاء في الآستانة يواصل الاجتماع ليلا ونهارا ويتذاكر بمهام أمور الصلح ويتخابر مع سفراء الدول العظام ، وكانوا يستفيدون سياسة من بقاء أشقودرة على المدافعة ، وكان كل من أعضاء مجلس الوكلاء يتساءلون عن محمود كامل باشا وعن أصله ومنشئه.
وحدّث يوما جلال بك أحد ولاة حلب أثناء الحرب العامة ، وكان وزيرا للداخلية في عهد وزارة محمود شوكت باشا ، قال : كنا يوما جالسين في غرفة المجلس في الباب العالي نتذاكر في مسائل الصلح مع دول البلقان ونتحدث عن أشقودرة ووضعيتها وحراجة الموقف بها ، فالتفت إلينا محمود شوكت باشا وحملق عينيه وقالت بصوت جهوري : إن قائد القلاع في أشقودرة محمود كامل باشا هو من خيرة القواد العسكريين لا في الدولة التركية فقط بل لدى دول أوربا أيضا ، وسيصبح هذا رجلا عظيما يكون له شأن كبير ،