فليس ثمة من خوف على الدولة ما دام فيها رجال أمثال هذا البطل الباسل ، فلنثبت ، ولا نرضى إلا بصلح شريف مهما كلفنا الأمر.
عقد الصلح وبلغ بواسطة دولة الصرب إلى محمود باشا في أشقودرة ، وكانت ذخائره ومؤنه نفدت تقريبا ، ولكن الأعداء لم يكونوا ليعلمون بذلك ، فكان يصدق الخبر تارة ويكذبه أخرى ظنا منه أنها خدعة حربية دبرها له الأعداء ، فاحتياطا لكل طارىء عقد شروطا مباشرة مع قواد الأعداء خلاصتها أن يخرج من القلعة هو وجنوده مستصحبين معهم جميع الأسلحة القابلة للنقل من مدافع وغيرها ، وأن يجري لهم استقبال عسكري باهر مع أخذ سلام التعظيم من الجنود المحاربة كافة ، وأن يوصلوها إلى الساحل بالاطمئنان ويتكفلوا بحمل أثقالهم على دوابهم وعجلاتهم ، إلى غير ذلك من الشروط الملائمة للشرف العسكري ، فقبلت جميعها منه ، فخرج بمن معه من بقية الجيوش ، وكانت البواخر بانتظارهم في الموانىء ، فركب فيها إلى الآستانة. وعند وصوله أرسل برقية إلى أهله في حلب يخبرهم بسلامته وصحته وذلك سنة ١٣٢٨ رومية.
وحصل له يوم وصوله إلى الآستانة استقبال حافل وطاروا فرحا عند رؤيتهم له لما أبرزه من البسالة والشجاعة في أمر المدافعة ، لأن بهذا الثبات استفادت الدولة كثيرا من الأمور السياسية والاقتصادية ، وأطنبت جرائد الآستانة في مدحه والثناء على ثباته وعظيم دفاعه. وزار وقتئذ جلالة السلطان فأنعم عليه بالإحسانات والوسامات ، ومن قرأ تواريخ الحروب في العالم قل أن يجد وربما لم يجد قوادا وجيوشا كانت محصورة خرجت من حصارها وهي تحمل مدافعها وأسلحتها وسائر أعتادها الحربية.
وفي خلال الحوادث السابقة ورد كتاب لأحد إخوته في حلب من حسين حلمي باشا جوابا عن كتاب أرسله إليه مستفسرا عن صحة أخيه وسلامته ، وهذه ترجمته بالحرف :
بناء على تحريركم المؤرخ في ١٣ كانون الأول سنة ١٣٢٨ راجعت بصورة خاصة سفير دولتي أوستريا ومجارستان في جتيته مستفسرا عن صحة أخيكم محمود كامل بك قائد قلعة أشقودرة ، فورد لي الجواب أخيرا أنه لا يمكن المخابرة مع أشقودرة ، حتى إن السفير نفسه لم يتمكن من أخذ معلومات عن المعتمد الموجود