البصر ، وتنحصر تلك الثروة العظيمة التي لا تحصى في دولتين أو ثلاث ، وأن تثل فيها عروش قياصرة الأرض وجبابرتها ، وتصبح فيها تيجان الملوك المرصعة بين الأرجل وتقتل أصحابها شر قتلة ، ويضحي البعض منهم مقيدا بالسلاسل والأصفاد ، ويمثل بالبعض منهم أشنع تمثيل في الكهوف والغابات ، ومن فر منهم وسلم من عائلاتهم وذراريهم تشتت في أطراف البلاد ، فصار منهم من يتعاطى أحط الصنائع وأدناها مثل المقاهي والمراقص ، ومنهم من لا يجد ما يسد به الجوع ولا مسكنا يأوي إليه. ولا تسل بعد ذلك عن بقية طبقات العالم حيث أصبح أولادهم يتامى ونساؤهم أيامى ، وصاروا إلى الدرك الأسفل من الفقر والفاقة ، ومات من الناس جوعا أمم لا تعد ولا تحصى.
كل ذلك لتسكين جشع أشخاص معدودين لا يتجاوزون عد الأصابع ، وهؤلاءهم الذين يسمون أنفسهم أساطين السياسة وقادة الآراء ، وينظرون إلى من دونهم وإلى جميع أصناف الجنس البشري بعين الازدراء ، ويعتقدون أنهم أنعام فيسوقونهم إلى مجازر الأطماع الاستعمارية وإلى نوال مقاصدهم الأشعبية ، لا تأخذهم بالناس رأفة ولا تجد الرحمة والشفقة إلى قلوبهم سبيلا.
أعلنت الحرب العالمية ، وذلك في غرة آب سنة ١٩١٤ وتاسع رمضان سنة ١٣٣٣ ، واشتركت فيها بعض الدول إما طوعا وإما كرها ، ولسوء الحظ اشتركت فيها الدولة العثمانية ، وكان ناظر الحربية أنور باشا ، كان هذا وجد في ألمانيا مدة غير قصيرة ، وكان معجبا في أمور حربيتها ونظامها العسكري ووفرة معداتها وإتقانها للصنائع والفنون ، وذلك هو الواقع ، وكان أكثر الناس يظنون عند نشوب الحرب أنها لا تدوم أكثر من شهور ، وأن النصر والظفر سيكون حليف الدولة الألمانية ومن اتفق معها. فاستشار أنور باشا القواد في أمر الدخول في الحرب ، فصاروا يحبذون له الانضمام إلى الدولة الألمانية إما مجاراة لفكرته وميله وإما بسائق الاجتهاد الذاتي ، ولعل الثاني أقرب إلى الحقيقة.
وكان محمود كامل باشا يقول : إني رجل عسكري تابع للأمر ومنقاد إليه ، وأي دولة حاربتم فأني مستعد لأن أبذل آخر نقطة من دمي في الذود عن حياض الوطن والدولة والدفاع عن الدين والجامعة الإسلامية.
ولما أعلن النفير العام في المملكة العثمانية عين قائدا للعسكر في (حوضه) لتجهيز