الذكر ، فتنحت عن ساحات الحرب وخرجت من زمرة الدول المتفقة. وعندئذ دخلت جيوش المؤتلفين في قلب الرومللي من غير ما معارض ولا مدافع واستولت على الجبال والسهول ، فانقطعت بذلك المواصلات بين الآستانة والنمسا وألمانيا وحل البلاء الأعظم في كل من الدول المذكورة وكادت الروح البولوشفيكية تنبث في أرواح جميع الجنود. والجنود الألمانية تركت سلاحها ، وهجم قسم منها مع الأهالي على منازل ملك الألمان وحطموا قسما من أبنيتها ونهبوا ما فيها من الأثاث والرياش وغير ذلك. وكان عاهل الألمان قد فر هو وأفراد أسرته لئلا تكون عاقبته كعاقبة ملك الروس والتجأ إلى مملكة هولاندا التي كانت على الحياد منذ بداية الحرب حتى نهايته ، وكذلك أسرة ملك النمسا فعلت مثل جارتها.
أما الدولة العثمانية فقد كان سلطانها محمد رشاد الخامس قد توفي قبل أن يتفاقم الأمر ويصل إلى هذه الدرجة ، وتنصب مكانه السلطان محمد وحيد الدين ، وكان هذا معارضا لفكرة الحرب من حين أن كان ولي العهد ، ولما نصب سلطانا أخذ في التملص من الحرب وشرع يتقرب من دول الائتلاف بالوسائل الخفية. ولما فعلت دول البلغار ما فعلت من ترك سلاحها ومعاهدتها لدول الائتلاف وأحست الدولة العثمانية بالعطب وحاق بها البلاء من كل صوب وجدت من الضروري أن تعقد هدنة مع دول الائتلاف ، وتسمى هذه المعاهدة (معاهدة موندروس) المشهورة ، فاضطر عندئذ أنور باشا وسائر أفراد الوزارة الاتحادية وطلعت باشا وجمال باشا إلى الاستقالة ، ولما علموا أن في بقائهم في الآستانة خطرا على نفوسهم لاذوا إلى الفرار وأصبح كل واحد منهم في جهة.
أما محمود كامل باشا فإنه لزم بيته في الآستانة ، فأتاه بعض أصحابه وكلفوه أن يفر أسوة رفقائه ، وأصروا عليه في ذلك ، وهيئوا له باخرة خاصة لهذه الغاية لتقله إلى حيث يشاء ، فشكرهم وقال لهم : إنني لست من أفراد الوزارة ، وما أتيت شيئا يستوجب المسؤولية أو الانتقام مني ، وإنني رجل عسكري ما قمت إلا بما توجبه الوظيفة علي ويأمرني به الدين وحب الوطن ، وإني مستعد عند مسيس الحاجة أن أدخل في أي محكمة كانت وأخرج منها ناصع الجبين بريئا من كل مسؤولية.
وبعض خواصه أصر عليه في ذلك وتكفل له بكل ما يحتاج له من النفقات وأنه يوصله