متنكرا إلى طهران بغاية الراحة والطمأنينة ، وأن الطريق إليها مفتوحة الآن وليس هناك ما يخيف أو ينذر بخطر ، وإنك لترى هناك أنواع الحفاوة والإجلال وأن القوم هنا وهناك سيحتاجون إليك وإلى أمثالك من الرجال والقواد ، وربما كان ذلك في القريب العاجل. فكرر له محمود كامل باشا الشكران له ولأصدقائه كافة ، واعتذر لهم ولم يطاوعهم على تلك الفكرة.
وعلى أثر ذلك عبرت أساطيل الدول المؤتلفة مضيق الدردنيل ذلك المضيق العظيم ، وصارت تحتل قلاعه المنيعة ، وصار قوادها والجنود يحتلون الآستانة وتوابعها حسب المعاهدة المتقدمة ، واستولوا على ما هناك من الثكنات وسائر المواقع العسكرية ، وسكر هؤلاء المحتلون بخمرة النصر والظفر ، فصاروا يعاملون الأهالي أسوأ المعاملة ، ولقي سكان الآستانة ضروبا من المهانة والاحتقار ، وصارت حالتهم كما قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً)(١) وصار لسان حالهم يتمثل بقول حرقة بنت النعمان :
فبينانسوس الناس والأمر أمرنا |
|
إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف |
ولما ازداد هذا الحال من هؤلاء وأصبح بحالة لا تطاق صار الناس وعساكر الدولة العثمانية وضباطها وأمراؤها ووزراؤها ينقمون على الصدر الأعظم الداماد فريد باشا وعلى بعض الوزراء الذين كانوا على شاكلته في الوزارة. وكان هذا الداماد يطمح بنظره من القديم لأن يكون صدرا أو على الأقل أن يكون أحد أفراد الوزارة ، وكان لا يتيسر له ذلك ، فكان شديد الانتقاد وعظيم البغض لأي وزارة تألفت في أي دور كان ، وكان حريصا على منافعه الذاتية محبا للانتقام ولو كان في ذلك دمار الدولة. ولما صار وزيرا أعظم في عهد السلطان وحيد الدين أدخل في وزارته علي كمال بك الكاتب التركي المشهور في عداد الوزارة ومحمد علي بك للخارجية ومن كان على شاكلتهم لبقية الوزارات ، وكان هؤلاء كلهم ناقمين على الوزراء السابقين وكل واحد منهم حريص على منافعه الخاصة ولا يفتكر بأمر استقلال الدولة ، وكانوا يتمنون أن يجعلوا الدولة العثمانية تحت حماية إحدى الدول العظام ، وصادفوا من نفس السلطان وحيد الدين ميلا إلى ذلك ، بل كان ذلك بإقناعاتهم
__________________
(١) النمل : ٣٤.