المتوالية له من قبل أن يصير سلطانا ومن بعد ذلك. وطفقوا يسعون وراء هذه الآمال الدنيئة المملوءة خسة وخيانة ، فقسم منهم كانوا يتزلفون للإنكليز والقسم الآخر للإفرنسيين وذلك بأي وسيلة كانت ، وكان الوقت مساعدا لتحقيق آمالهم ورغباتهم. ولما طفح الكيل وبلغ السيل الزبى صارت أفئدة أهالي الآستانة تتقد نارا وقلوبهم تتلهب حميّة وغيرة على وطنهم وأهله ، خصوصا بعدما قاسوه ورأوه من تلك المعاملات المشؤومة. وقد أحس الداماد فريد باشا وزملاؤه بنفرة الناس واضطراب أفكارهم من هذه الأمور فأوجسوا في نفوسهم خيفة ، وأيضا فإن السلطان وحيد الدين نفسه أحس بذلك ، فبعد المشورة والمذاكرة فيما بينهم قرروا أن يوعزوا إلى الإنكليز بالقبض على أعاظم القوم والقواد المشهورين والوزراء وبعض المبعوثين ويضيق عليهم ، وأرسلوا لهم خفية أسماء كثيرة من جملتهم شيخ الإسلام خيري أفندي والصدر الأعظم السابق سعيد حليم باشا ومحمود كامل باشا المترجم ورئيس الأطباء سليمان لقمان باشا ورؤوف بك بطل الباخرة حميدية وسليمان نظيف بك وحسين جاهد بك ، وهذان من مشاهير كتاب الأتراك ، والمبعوث علي جناني بك وغيرهم من مشاهير رجال الدولة ، فأخذت الإنكليز تلقي القبض على هؤلاء وتزجهم في السجون ، وكان المترجم في جملة هؤلاء ، وقد أحدث هذا القبض ضجة عظيمة بين أهالي الآستانة وأثار ذلك حفيظتهم ، وما كان ذلك ليخيفهم ويثبط عزائمهم ويقلل من إقدامهم ، وصاروا يعقدون الاجتماعات الخاصة والعامة ويأتون بالمظاهرات السلمية ويوالون الاحتجاجات ، ولكن لا سامع هناك ولا مجيب.
ثم قصدوا أن يهجموا على السجن في نظارة الحربية ويطلقوا سراح المحبوسين بالقوة مهما كلفهم الأمر ويفتكوا ويبطشوا بالوزراء الخونة الذين أرادوا أن يضحوا أعاظم رجال الدولة. وقبل إبرازهم ما اتفقوا عليه لحيز الوجود أحس الداماد فريد باشا وزملاؤه بالأمر فأوعز إلى الإنكليز أن يخرجوا هؤلاء المحبوسين من السجن ويبعدوهم. وما كادت تتلقى الدولة الإنكليزية هذا التبليغ من الحكومة العثمانية وإذا بها أخذت تنقل هؤلاء المسجونين إلى الباخرة ولم يعلم وقتئذ إلى أين يؤخذون ، وكان لسان حالهم يقول :
نسير ولا ندري المصير كأننا |
|
بهائم نوح حين أبحر في الفلك |
ثم تبين بعد ذلك أن معظمهم أخرج إلى جزيرة مالطة ، ومنهم محمود كامل باشا ، وحبسوا في قلعتها (بول وره ستا) وضيق عليهم أشد التضييق.