مبدأ الحركة الملّية في الآستانة :
لم يكتف فريد باشا والسلطان وحيد الدين وزملاؤه بهذا المقدار ، بل أرادوا أن يأتوا على البقية الباقية من خيرة القواد وأساطين الرجال ، ويضيقوا الخناق على كل ذي شهامة وحمية وإباء ، وشرعوا يتحرون البيوت وكثيرا من الأماكن ويقبضون على بعض الرجال. فعندئذ شعر القوم بعظم الخطب ودنو البلاء.
وحدّث بكر سامي بك والي حلب الأسبق لواضع أساس هذه الترجمة السيد سامح أفندي العينتابي شقيق المترجم حينما كان في الآستانة قبل سنيّات قال : هربت من الآستانة ليلا أنا وولدي ، وكنا نقطع الجبال والوديان مشيا على الأقدام ولا نلتفت إلى الوراء ، وكان كمال باشا قد عين قبل ذلك مفتشا على فيلق أرزن الروم وبارح الآستانة وأخذ هناك يشكل الجمعيات ويستنهض الهمم ، والتف حوله لفيف من الضباط ، وهناك ابتدأت التشكيلات الملّية ، وكان قد التحق به من الآستانة وتوابعها الكثير.
وبعد أن تشكلت الجمعية هناك ونظمت برنامجها وشكلت شعبا في أكثر بلدان الأناضول وحلفوا الأيمانات المغلظة لإنقاذ الدولة والبلاد من مخالب المستعمرين وتطهير جسم المملكة من الخونة لأوطانهم ، تركوا هناك القائد الشهير كاظم قره بكر باشا ليكون سدا منيعا من ورائهم وعونا لهم عند مسيس الحاجة ، ثم انتقلوا إلى سيواس ، وهناك عقدوا اجتماعا هاما وقرروا فيه قرارات متعددة دعوها (الميثاق الملّي) وأخذوا يطبقون مواده وينفذونها بكل صرامة وحزم ، وأعلنوا ذلك للدولة وللملأ أجمع ، وبدؤوا يهددون السلطان ووزراءه وأعلنوا الإدارة العرفية في الأناضول وصاروا يجازون كل من خالف مبدأهم وميثاقهم وكان عثرة في سبيل مقصدهم ، وأخذوا ما قدروا أن يأخذوه أسرى من الإنكليز الذين كانوا في طربزون وفي بعض جهات القفقاس وجعلوهم رهائن عندهم مقابل ما فعله الإنكليز في إخوانهم الذين سيقوا سوق الأنعام إلى جزيرتي تنوس ومالطة ، ولم يبالوا في أي تهديد وإرهاب من أي كان ، ولم يكترثوا بالإنكليز وسائر الدول المؤتلفة ولا بجيوشها وأساطيلها وطياراتها ودبابابتها وقذائفها ، وقالوا : إما حياة عزيزة وإما موتا كريما ، وقالوا :
من يقدّم غير الحسام نذيرا |
|
يجد الناس آثما وكفورا |
من يجد حال صحة وشباب |
|
لم يكن في مذلة معذورا |