خداعهم ، بل أنذروا السلطان بلهجة شديدة بأن يحل وزارة الداماد فريد باشا حالا ، وإلا فإنهم زاحفون نحو الآستانة غير مكترثين بدولتي إنكلترة واليونان ويحتلون ساحل الأناضول ، وأعلموا بذلك للدول.
فلم يسع السلطان إلا إجابة مطلبهم ، وحل وزارة الداماد وتشكلت الوزارة تحت رئاسة توفيق باشا الصدر الأسبق ، وعبثا حاول أن يقنعهم بالاعتدال والسكون والطاعة إلى السلطان ورجال الوزارة.
ولما رأت الدول هذا العناد والثبات ولم يجدهم التهديد والتهويل نفعا ، وكانت الإنكليز تريد أن تسرع باستخلاص أسراها ، تساهلت نوعا في بعض الأمور ووعدت بأن تعدل قسما من معاهدة سيفر المشؤومة ، وكلفت الدولة العثمانية أن ترسل وفدا ثانيا إلى لوندرة ، فانتخبت الدولة الوفد تحت رئاسة توفيق باشا الصدر وخابرت بذلك القوى الملّية ، فلم ترض بهذا الوفد وأصرت أن يكون الوفد من طرفها لا من طرف الدولة.
وهنا أشكل الأمر على الدولة وعلى الدول العظام. وبعد الأخذ والرد تقرر أن يرسل وفدان وفد من طرف الدولة ووفد من طرف القوى الملّية ، فذهب وفد الدولة تحت رئاسة توفيق باشا ووفد القوى الملّية تحت رئاسة بكري سامي بك والي بيروت وحلب الأسبق. فذهب الوفدان إلى لوندرة ، وهناك عقد الاجتماع ودعي كل من توفيق باشا ذلك الشيخ الكبير الهرم وبكر سامي بك ، فأصبح توفيق باشا على ما قيل يرتجف ولا يكاد يسمع صوته حينما يتكلم ، وأما بكر سامي بك فكان يدخل قاعة المجلس الحاوية لأعظم ساسة الدنيا متأبطا حقيبته بكل جرأة وعنفوان غير هياب ولا وجل ، وكان إذا تكلم يدوي صوته الجهوري في قاعة المجلس ويسرد من الأدلة الساطعة والحجج الدامغة ما يستلفت الأنظار ويستوقف الأفكار ويقضي بالعجاب.
وبعد اجتماعات ومذاكرات دامت أياما لم يحصل المقصود تماما ، غير أنه قرر بادىء بدء أن يطلق سراح نيف وستين مسجونا من مسجوني مالطة في الحال ، وأكثرهم من غير الأمراء العسكريين ، لقاء أسرى الإنكليز الموجودين في الأناضول.
ولا ريب أن هذه زلة من بكر سامي بك حيث وافق على إطلاق البعض دون البعض ، وكان الواجب عليه أن يصر على إطلاق الجميع مهما كلفه الأمر. ثم عاد الوفدان إلى