الباب الثاني
في السبب الذي احتاج له الناس الى التغذي
لما فطر الله جل اسمه جسم الانسان ، من عناصر يلحقها التحلل والسيلان ، والانقسام ، وهي النار والهواء والماء والارض ، وجعل العمدة في بقاء روحه ، وتسهيل تصاريف أفعاله الحارة والرطوبة ، فان بهما كان نشوءه ونموه وعليها مدار حركته وجمهور أمره ، ومن شأن الحرارة تحليل الرطوبة وافناؤها وفتها وابطالها لم يكن بدله اذ كان مركبا مما يفنى بعضه بعضا ، ونقصه دائما متصلا من اخلاف مكان ما يبطل منه مثله ، واعادة ما يضمحل من جملته الى حالة ، ولم يوجد في ذلك أقرب الى ممايلة الانسان في الصيغة ، ومشابهته في البنية من الحيوان والنبات لانهما مخلوقات من مثل العناصر التي خلق منها الانسان فجعل الله سبحانه ، هذين الجنسين غذاءا له ، لئلا يبطل جسمه الذي هو كالوعاء لنفسه ، فهذا كان سبب الحاجة الى التغذي والامر الموجب له.