الباب الثالث
في السبب الذي احتاج له الناس الى اللباس والكسوة
لما خلق الله جل وعز الانسان مقصودا به ، تلقا غرض يحس به نحوه ، ومرهونا بخلقه نحو أمر من الامور ، قصد به قصده ، ركبه في جسد يلين بذلك المقصد ، وجعل له من الآلات ما يشاكل الغرض المعتمد ، كما انه لما خلق الاسد ذا شجاعة وجرأة جعله في ذي أيد وشدة ، وجعل له من الآلات ما يوافق البطش والنجدة ، من الانياب والمخاليب ، الجارية مجرى ما يتخذه الناس من الاسلحة ، وكما انه (عز وجل) لما خلق الفرس للاحضار (١) والسرعة ، جعل جسمه مناسبا للحال التي خلقه لها ، في الشكل والهيئة. وكذلك لما خلق الانسان للتمييز والمقايسة جعله في جسد متأت للحال التي أرادها سبحانه ، وجعل آلات جسده مشاكله لما ينحى به نحو هذه الغاية من اليد التي تليق بالصناعات المختلفة ، والرجل التي على مثل هذه الحال زيادة ، حتى انه لوعد ما بهيئة الانسان من يده وأكثر أعضائه في تصاريف الاحوال التي يحتاج اليها لكانت كثيرة معجبة الى ان جعله تعالى : لما أراد به من أن يكون زائدا على أحوال سائر الحيوان ، في حسن (٢) اللمس الذي به يقع صحة الاعتبار ، في الاشياء المباشرة ، ومعري الجسد من الشعر الكثيف الذي لما خلا غيره من الحيوان ، أن يكون
__________________
(١) في س : الاحضار.
(٢) في س : جس.