الباب الثامن
في ان النظر في علم السياسة واجب على الملوك والائمة
لما كان هذا النظر مما يلزم الملوك تعلمه ، ويليق بهم تقبله ، فقد يحق على افاضلهم دراسته ، ويجمل بهم وعيه وتحفظه ، لانهم اذا فعلوا ذلك حتى يحكموا أسبابه وعلله استقامت آراؤهم ، واذا استقامت آراؤهم صلحت أفعالهم ، واذا صلحت أفعالهم عمّ نفع ذلك رعاياهم وجميع من يكون أمورهم. وان الصلاح والفساد اللذين يكونان في الازمنة والاوقات ، انماهما باستقامة أفعال الملوك وأعوجاجهم فاذا صلحت تدبيراتهم بصواب الرأي وسداد الفعل في وقت ، نسب ذلك الوقت الى أنه وقت حميد وزمان شديد واذا فسدت أحوالهم واضطربت مجاري أمورهم في آخر نسب الوقت الذي يقع فيه هذا الى انه وقت شديد ، بما يعرض لاهله من الفساد وسوء التدبير ، وأكثر الناس يظنون ان الملك يجري مجرى سائر الرياسات التي تستقيم لاكثر من منصب فيها ، لما شاهدوه وجرى في عاداتهم من ان كل من يوضع في رئاسة ما يقوم بها وترجوا أفعاله فيها ، وان كان غير مستحق لها ولا مضطلع بشأنها ، لان خلله أما أن يكون مضرا يشعر به ، أو يكون مما لا يتلافاه أعوانه وكفاته ، أو يكون آخر أمره معروفا ، فيهون صرفه والاستبدال به غيره ، والملك فلا يحتمل خلة من الخلال التي ذكرناها ، لانه أشرف منازل البشر قدرا وأعظم الامور خطرا ، فأن الملك المقيم لنظام الملك بالتحقيق لا بالذي