وسموها ، ويحتاج الملك أن يكون شجاعا والشجاعة ضربان ، أحدهما الصبر على النوازل الملمة والخطوب النائبة. والاخر الجرأة على الملاقاة والمنازلة على الحرب والمباطشة ، فان اجتمع الصنفان للملك فهو الكامل ، والا أجزاه أن يكون الضرب الاول منهما.
ومما يحتاج الملك اليه ، أن يكون بعيد الفكر متطلعا نحو العواقب ، ذا عزيمة في نفسه وشكيمة في رأيه ، حتى اذا صح عنده ما يوافق الصواب ، وان كان فيه بعض المخاطر أمضى تدبيره فيه ولم ينكل عنه ولا يداخله فشل فيه ولا خوف منه ، والحلم فلا يصلح أن يكون الملك غير لابس له لانه في أول الامر بها يكسبه زينة ويكسوه وقارا وبهجة ، ثم يتلوا ذلك أن يصل الى رعيته ، ومن يسوسه من الناس نفعة ، لان ذلك اذا كان معه سهل السبيل الى التثبت (١) في مواضع العقوبات على الاجرام التي يتكون بعضها واقعا على شبهة ، وبعض جاريا بسبب أقوال كاذبة ، وبعض على سبيل حيلة وعلى وجه معاداة غيلة ، فاذا كان مع الملك حلم ووقار وترفق وثبات ، لم تقع عقوبته الا في حقها ، ولا مجازاته الا في موضعها ، ولم يكن منه ما يوجب الذم ولا وقع من جهته ما يذكر معه ندم. ومما لا يصلح مفارقة الملك أياه ولا خلوه منه الصدق في وعده ووعيده ، فانه اذا كان حليما متثبتا ، لم يعد الا ما يتيقن قدرته على الوفاء به ، ولم يتوعد الا من يستحق أن يتوعده ، بمثل ما يوجبه جرمه ، ولم يتهدد أيضا الا بما له أن يفعله ، فاذا وعد في حقه وواعد في كنهه لزمه أن ينجز ما وعده ولا يخلف ما توعد به.
ومن كمال الخلال التي قدمنا حاجة الملك اليها ، أن يكون عادلا في نفسه مكتسبا لما حفظ هذه الفضيلة ، وزاد عليها بجودة البحث (٢) وعم الصواب كل أحواله ، واستقامت الخلال المحمودة التي تكون معه ،
__________________
(١) في س : التثبيت.
(٢) في س : بالبحث.