ودخل ناس من أهل مصر على عتبة بن أبي سفيان فقال له : انك سلطت السيف على الحق ، ولم تسلط الحق على السيف. وجئت بها عشواء صفينية : فقال لهم : كذبتم بل سلطت الحق (١) فتسلط معه السيف ، فاعرفوا الحق تعرفوا السيف قبل معرفتكم بالحق ، فأنكم](٢) الحاملون له حيث وضعه أعدل والواضعون له حيث حمله أفضل. وانتم في أول لم يأت آخره وآخر دهر قد مات أوله فصار المعروف عندكم منكرا والمنكر عندكم معروفا واني لا قول لكم مهلا قبل أن أقول لنفسي مهلا قالوا : نخرج سالمين كما دخلنا آمنين ، قال غير ، راشدين ولا مهذبين).
وقال أكثم بن صيفي (٣) : وهو من خطباء العرب وحكمائهم ، كلاما يصلح للملوك ان يسمعوه ، وهو قوله : (اللبيب من حذر السقطة وحسن خروجه من الورطة) ... وقال في موضع آخر : (الاديب من تجرع الغصة ووثب عند الفرصة) ومما يصلح ان تعرفه الملوك ليتقبلوا أحسنه ، ويجانبوا أضره وأرذله ويتفهموا مواقع الرأي منه ما كان. فالاسكندر ذو القرنين كتب به الى أرسطاطاليس ، فان الاسكندر كتب اليه يذكر ان في عسكره جماعة من خاصته وذوي حشمة ، وأهل الحزمة ، وانه مع هذا لا يأمنهم على نفسه ، لما يرى من بعده همهم وقوة شجاعتهم وشدة دالتهم ، فانه لا يجد لهم عقولا تفي بالفضائل التي فيهم ، ويكره الاقدام بالقتل عليهم بالظنة ، مع واجب الحرمة ، ويسأله عن الرأي في أمرهم فكتب اليه أرسطاطاليس : فهمت كتاب الملك بما وصفه من أمر القوم الذين يضمهم عسكره ، فأما بعد هممهم فينبغي أن يعلم الملك ان الوفاء من بعد الهمة ، وان هذه الحال وان كانت مرهبة ممن له من جهة اقدامه ، وان كان يكله
__________________
(١) في س : والحق.
(٢) ليست في ت.
(٣) احمد زكي صفوت : جمهرة خطب العرب ح ١ ص ٥٦.