وما ينبغي للملك أن لا يدع المشاورة ورسول الله صلى الله عليه (١) لم يكن يدعها الا فيما ينزل به الوحي أمر من أمر الله قاطع والرأي مجعول الى الناس فيه التشاور ، وقد كان عليه السلام اذا أراد أمرا قال (٢) له أصحابه هذا بوحي من عند الله ، أم شيء أنت تفعله ، فيقول لو كان وحيا ما احتجت الى نظر فيه ولكنه بالرأي ، فيقول : كل امرئ منهم حينئذ ما عنده فلو ان أحدا من البشر كان مستغنيا عن المشورة لاستغني (٣) عنها رسول الله صلى الله عليه (٤) ، ومع انه كان لا يستنكف عنها وقد أمر في القرآن أيضا بها فما لاحد أن يأنف منها ، ولا يضع نفسه موضع الاستغناء عنها. ولم يكن أحد من الملوك الجلة الا وله وزير أو وزراء يرجع الى رأيهم ، فمنهم ذو القرنين الذي لم يبلغنا ان أحدا ملك مثل ملكه من غير الانبياء عليهم السلام فانه كان يرجع الى وزيره ومعلمه أرسطاطاليس في المشاورة ومن رسائله اليه في هذا المعنى رسالة كتب بها اليه بعد دخوله لبلاد (٥) فارس يستمده بها من الرأي ويستشيره فيما يكون عليه عمله من وجود التدبير يقول فيها : أما بعد فاني راغب في المشورة وطالب الزيارة في المعرفة ومجتهد في الوصول الى ثمراتها النافعة لا يثنيني عن ذلك رغبة اقدر مثلها ولا فضيلة أتوهم الاعتياض بها ولعمري انه ليجب (٦) على من ولي مثل ما وليت
__________________
(١) في س ، ت : صلى الله عليه وسلّم.
(٢) في س : امرا فاسأله اصحابه.
(٣) في س : لا يستغني عنها.
(٤) في س ، ت : صلى الله عليه وسلم.
(٥) في س ، ت : بلاد فارس.
(٦) في س : ليجب.