« كافة » بعد تذييل الجملة بقوله : ( بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) إذ لا معنى للكف والردع إلاّ تخويفهم عن عذابه وعقابه حتى يرتدعوا بالتأمل فيما أوعد الله في كتابه العزيز ولسان نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على مقترفي الجرائم ، وليس ذلك إلاّ نفس الانذار الوارد في الآية :
أضف إليه أنّه لم يستعمل لفظ « كافّة » في القرآن إلاّ بمعنى عامة كقوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ( البقرة ـ ٢٠٨ ).
وقوله عز وجل : ( وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ) ( التوبة ـ ٣٦ ).
وقوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ) ( التوبة ـ ١٢٢ ).
وكل ذلك يؤيد كون ( كَافَّةً ) بمعنى عامة حالا من الناس ، والآية مع كونها دليلاً على كون رسالته عالمية ، دليل على كونه مبعوثاً إلى كافة الناس إلى يوم يبعثون (١).
ثم إنّه سبحانه جعل نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم خاتم النبيين ، وكتابه خاتم الكتب ، وجعله مهيمناً على جميع الكتب النازلة من قبل.
قال سبحانه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) ( المائدة ـ ٤٨ ).
والمهيمن هو الرقيب الشهيد وقد فسّر باُمور اُخرى يقرب بعضها من بعض فهو
__________________
(١) ويؤيد ذلك ما رواه ابن سعد في « طبقاته الكبرى » عن خالد بن معدان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : بعثت إلى الناس كافة ، فإن لم يستجيبوا لي فإلى العرب ، فإن لم يستجيبوا لي فإلى قريش ، فإن لم يستجيبوا لي فإلى بني هاشم ، فإن لم يستجيبوا لي فإليّ وحدي.
ونقل عن أبي هريرة ، أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : اُرسلت إلى الناس كافة ، وبي ختم النبييون ( الطبقات الكبرى ج ١ ص ١٩٢ ) وكل ذلك دليل على أنّ الصحابة لم يفهموا من الآية إلاّ ما استظهرناه.