وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ( يس : ٨٢ ـ ٨٣ ).
انّ هنا قرائن ثلاث لابد من البحث عنها ، كي نقرّب إلى الأذهان كيفية حمل لفظ الأمر على الأمر التكويني ، أعني النظم والسنن الجارية في دائرة الكون والقوانين المكتوبة على جبين الدهر ودونك هذه الشواهد :
١. لفظ التدبير ، فقد عرفت أنّه عبارة عن الإدارة على وجه تقتضيه المصلحة والحكمة ، فهو سبحانه يدبر الخلق بعامة أجزائه من السماء إلى الأرض ، على وجه تقتضيه المصلحة ، فسبحان الذي خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها ،. ودبرها على وفق الحكمة ، فلا السماء تسقط على الأرض ، ولا الأرض تنخسف بنا ، ولا الشمس تظللنا دائماً ولا الظلمة تحيط بنا سرمداً ، إلى غير ذلك من سنن ونظم ...
٢. سياق ما تقدمها من الآيات ، فإنّ محور البحث في سابقها ، هو خلق السماوات والأرض واستوائه سبحانه على العرش ، ودونك الآية المتقدمة عليها :
( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ ) ( السجدة ـ ٤ ). « يدبر الأمر » من السماء إلى الأرض ... أفلا تفهم من تقارن الآيتين أنّ اللام في الأمر إشارة إلى أمر الخلقة ، وأنّ الله سبحانه خلق السماوات والأرض وما بينهما في أيام وأدوار مخصوصة ولم يكتف سبحانه بأصل الخلقة ، بل استوى على عرش ملكه فدبّر أمرها على وجه توجبه الحكمة وتقتضيه المصلحة ، وأنّه سبحانه يدبّر أمر الخلق ، أي خلق تتصور وينفذه على وجهه ، حتى أنّه سبحانه توخياً للتوضيح شبّه المقام الربوبي الذي ينزل منه التدبير ، ويصدر منه الحكم بعرش الملك البشري الذي يجلس الملك عليه فيصدر منه أوامره لتدبير اُمور الملك ، غير أنّ أوامره طلبات عرفية اعتبارية ، ولكن أوامره سبحانه ، أوامر تكوينية ، لا يقوم بوجهها شيء ، فما قال له كن ، فيكون ، بلا تراخ ولا تمرّد.