إنّ مفاد الآيات المذكورة ليس ـ في الواقع ـ سوى تقرير لحقيقة ثابتة ، وهي التي تتجلى ـ بوضوح ـ من خلال الآيات السابقة لهذه الآية من سورة البقرة.
فالآيات إنّما تتحدث عن مصير الماضين من اتباع الشرائع في عهود الأنبياء السابقين قبل ظهور الإسلام ممّن آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً.
فالقرآن يخبرنا بأنّ هؤلاء ناجون بسبب إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح والتزامهم بتعاليم شرائعهم دون من حاد عن طر يق الإيمان ولم يأت بعمل صالح وانحرف عن جادة التوحيد الخالص ، وهم الفرقة التي عبدت العجل مرة (١) وبلغ بها الوقاحة أن طلبت من موسى أن يريها الله (٢) ذلك الطلب الوقح الذي صار سبباً لأن يحل غضب الله على بني اسرائيل.
لقد أراد الله هنا أن يزيل الغموض أو الاشتباه حول مصير الفريق المؤمن من أهل الكتاب حتى لا يختلط أمرهم بأمر ذلك الفريق الكافر المعاند فأخبر بأنّ من آمن من أهل الكتاب بالله عن اخلاص ، وآمن باليوم الآخر عن صدق وعمل صالحاً ، فإنّه لا خوف عليهم يوم القيامة ولا حزن ولا عقاب ، بل جنّة وثواب ورضوان من الله.
في هذه الصورة يمكن اعتبار الآية مرتبطة بذلك الفريق المؤمن من أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون في العصور الماضية السابقة على الإسلام دون أن يكون لها أي ارتباط بعصر الرسالة الإسلامية وما بعده.
ونأتي بشأن نزول هذه الآية ليلقي ضوء أكثر على هذا الموضوع ، ويؤيّده تأييداً كاملاً.
فهذا هو الطبري ينقل عن السدّي قوله : نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان
__________________
(١) راجع البقرة الآيات : ٥١ ، ٥٤ ، ٩٢ ، ٩٣ ، والنساء : ١٥٣ ، والأعراف : ١٥٢.
(٢) راجع البقرة : ٥٥.