من جنّة ولا نار ، واُعرّفه ما يمر على الناس في القيامة من الهول والشدة. وما اُحاسب به الأغنياء والفقراء والجهال والعلماء ... ـ إلى أن قال : ـ يا أحمد ! اجعل همّك هماً واحداً ، واجعل لسانك لساناً واحداً ، واجعل بدنك حياً لا يغفل أبداً ، من غفل عنّي لا اُبالي بأي واد هلك » (١).
وهذه الرواية توقفنا على أنّ المعرفة الحقيقية ، التي تحيى بها نفوسنا ، لا تستوفى بالسير الفكري ، ولا يقف السالك في سبيل الحق على هذه الاُمور ، إلاّ بتهذيب النفوس وتطهير القلوب والانقطاع إلى الربّ عن كل شيء ، حتى يرفع دونه كل حجاب مضروب ، وكل غشاء مسدول ، فيعرف ربّه وأسماءه ، وصفاته حق المعرفة ، ويشاهده بعين القلب ويسمع كلامه وكلام ملائكته ، ويرى عظمته وسرادقات كبريائه.
فهذه الفتوحات الباطنية بمراتبها ، ميسّرة في وجه الاُمّة ، لم توصد قط.
ثم إنّ للسالك من العرفاء والأولياء أسفاراً ، وهي على ما اعتبرها أهل الشهود أربعة.
أحدها : السفر من الخلق إلى الحق.
ثانيها : السفر من الحق إلى الحق بالحق.
ثالثها : السفر من الحق إلى الخلق بالحق.
رابعها : السفر من الخلق إلى الخلق بالحق.
فبعض هذه الأسفار وقطع منازلها وإن كان يختص بأنبيائه ورسله ، إلاّ أنّ السفر الأوّل والثاني ، لا يختصان بهم ، بل يتيسّران لكل سالك الهي ، لا يقصد إلاّ الاناخة في ساحة ربّه ، والنزول على طاعته ، بلا استثناء ، ودونك توضيح ذينك السفرين : ففي السفر الأوّل ، أعني السفر من الخلق إلى الحق ، ترفع الحجب المظلمة ، بين السالك وربّه ،
__________________
(١) إرشاد القلوب للديلمي ص ٣٢٩.