ثم إنّ الدكتور عبد اللطيف الهندي المعاصر ـ في مقال خاص له حول اُمّية النبي الأعظم ـ رأياً شاذاً وقد ألقى مقاله هذا باللغة الانكيلزية في المؤتمر الإسلامي المنعقد في حيدر آباد عام (١٩٦٤) فخرق الاجماع المسلّم بين طوائف المسلمين على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان اُمّياً لا يقرأ ولا يكتب ، وخالف الرأي العام وقال إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن اُمّياً لا يحسن القراءة والكتابة بل كان يقرأ ويكتب في حداثة سنّه إلى اُخريات أيّامه (١) ولما رأى أنّ تلك النظرية تخالف النص الصريح في القرآن الكريم جاء يتأوّل ظاهر الآية تأويلاً بارداً وقال ما هذا حاصله :
المراد من الكتاب في قوله : ( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ) إنّما هو الكتب السماوية نظائر التوراة والانجيل النازلة بغير اللغة العربية فلم يكن النبي عارفاً بتلكم اللغات ولا قادراً على تلاوتها وهو غير القول بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن قارئاً ولا كاتباً حتى باللغة العربية التي هي لسان قومه وبيته.
ولا أدري ماذا حمل الكاتب على هذا التأويل إذ لو كان المراد نفي معرفته بهذه الكتب المعينة ، لما صح له أن يقول : ( مِن كِتَابٍ ) بل كان عليه أن يقول : ما كنت تتلو من قبله الكتاب أو الكتب مشيراً باللام إلى الكتاب أو الكتب المعهودة وقد أتى باللام فيما قصد نفي العرفان بالكتب السماوية عنه فقال تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الشورى ـ ٥٢ ).
وقال عزّ شأنه : ( وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَٰؤُلاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ) ( العنكبوت ـ ٤٧ ).
__________________
(١) وقد تأثر في نظره عن رجال الكنيسة والتبشير ، قال الحداد في كتابه ـ القرآن والكتاب ـ ص ٤١٠ محمد لم يكن اُمّياً بل تاجراً دولياً ومثقفاً ومطّلعاً وبحاثة دينياً ...