كل البعد ، لصح عطفها على ما تقدم عليها ، لأنّ العرف إذا حاول توصيف الرجل بالاُمّية يقول في حقه : إنّه لا يعرف القراءة والكتابة ، أو أنّه ليست بينه وبين التلاوة والكتابة أية صلة ، ولا يقتصر على نفي الاُولى بل يردفها بنفي الاُخرى أيضاً ، توضيحاً للمراد. والله سبحانه لمّا أراد التركيز على اُمّية النبي وأنّه طيلة عمره كان بعيداً عن مجالات العلم والدراسة ، أتى بما هو الدارج في لسان العرب ، إذا أرادوا توصيف الشخص بالاُمّية.
والشاهد على ما ذكرنا : أنّك لو ألقيت هذه الآية على أي عربي عريق في لغته ولسانه ، يقضي بأنّ المقصد الأسنى منها نفي معرفته صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتلاوة والكتابة على الاطلاق. نعم الآية خاصة بما قبل البعثة ، لا تعم ما بعدها ولنا عودة إلى هذا الموضوع في الأبحاث الآتية فانتظر.
وربما يقال (١) : إنّ الآية تنفي مطلق التلاوة والكتابة ولكنّه لا يدل على نفي احسانهما عنه : قلت : سيوافيك جوابه عند البحث عن وضع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد البعثة.
يدل على ذلك قوله سبحانه :
( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ).
( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ( الأعراف : ١٥٧ ـ ١٥٨ ).
قد وصف سبحانه نبيّه في هذه الآية بخصال عشر وهي : أنّه رسول ، نبي ، اُمّي ،
__________________
(١) نقله الشيخ الطوسي في تبيانه راجع ج ٨ ص ٢١٦ ط بيروت.