المختصة باليهود والنصارى ، تزدحم بأحبارهم وحفّاظ كتبهم ، فكانت القراءة والكتابة رائجتين بينهم ، لمسيس حاجتهم إلى معرفة كتابهم وما فيه من الطقوس والسنن.
فإذا ألممت أيها الباحث ولو إلمامة عابرة بروح ذلك العصر ، ووقفت على ما كان يسود في تلكم الظروف والبيئات ، لقضيت بأنّ المراد من الاُمّي حتى في ما استعمل عند أهل الكتاب هو العاجز عن القراءة والكتابة بقول مطلق كقوله سبحانه : ( وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ ءَأَسْلَمْتُمْ ) ( آل عمران ـ ٢٠ ) ويوضح ما ذكرناه قوله سبحانه : ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ) ( البقرة ـ ٧٨ ) (١) فالآية بحكم رجوع الضمير ( وَمِنْهُمْ ) إلى اليهود ، تقسم اليهود إلى طائفتين ، طائفة يعلمون الكتاب ، واُخرى طائفة اُمّية لا تعلم من الكتاب شيئاً بل تتخيله أمانياً فقد أطلق الاُمّي في هذه الآية على بعض أهل الكتاب بملاك جهله بكتابه ، قراءة وكتابة ، ولكن الجهل بالكتاب الذي نزل بلسانه ولسان قومه يلازم الجهل بسائر اللغات طبعاً.
فهذا الكتابي بما أنّه لا يحسن القراءة والكتابة قط ، اُمّي كالعربي الاُمّي بلا تفاوت.
وقصارى ما يمكن أن يقال : إنّه ليس للاُمّي إلاّ مفهوم واحد وضع له وضعاً واحداً ، غير أنّ مفهومه يختلف حسب اختلاف الظروف والبيئات ، حسب اختلاف الاضافات والنسب ، فالاُمّي في أجواء الكتابيين عبارة عمّن لا يعرف لغة كتابه فلو قيل : ذلك الكتابي اُمّي فالمقصود منه بقرينة لفظ « الكتابي » كونه اُمّياً بالنسبة إلى كتابه الذي ينتحل إليه ، كما أنّ الاُمّي في البيئات العربية عبارة عمّن لا يحسن العربية قراءة وكتابة وهكذا ...
وبناء على ذلك فالاُمّيون في قوله سبحانه : ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ ) عبارة عن الطائفة الجاهلة بالمتون السامية من أهل الكتاب ، لا يحسنون تلاوتها
__________________
(١) هذه الآية بما أنّها تقسّم أهل الكتاب والمنتحلين إليه إلى طائفتين اُمّية وغير اُمّية ، تبطل ما ادعاه الدكتور من أنّ الاُمّي عبارة عن من لم ينتحل إلى الدين ولم ينسب إلى ملّة.