من القراءة والكتابة بعد ما نزل عليه الوحي واستدلوا على ذلك بوجوه لا تخلو من مناقشات واشكلات ، ونحن نذكر تلكم الوجوه ، ثمّ نردفها بما هو المختار عندنا :
هذا هو الشيخ المفيد استدل بأدلة ووجوه اعتقد أنّها الحجج الكافية لاثبات ما يرتئيه من أنّ النبي كان عارفاً بالقراءة والكتابة بعد بعثته ودونك ما أفاده برمّته :
١. إنّ الله تعالى لما جعل نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم جامعاً لخصال الكمال كلها ، وخلال المناقب بأسرها لم تنقصه منزلة بتمامها ، ليصح له الكمال ، ويجتمع فيه الفضل والكتابة فضيلة من منحها فضل ، ومن حرمها نقص.
٢. إنّ الله تعالى جعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حاكماً بين الخلق في جميع ما اختلفوا فيه ، فلا بد أن يعلمه الحكم في ذلك ، وقد ثبت أنّ اُمور الخلق قد يتعلق أكثرها بالكتابة فتثبت بها الحقوق ، وتبرأ بها الذمم ، وتقوم بها البيّنات ، وتحفظ بها الديون ، وتحاط بها الأنساب ، وأنّها فضل تشرف المتحلّي به على العاطل منه ، وإذا صح أنّ الله جلّ اسمه قد جعل نبيّه بحيث وصفناه من الحكم والفضل ثبت أنّه كان عالماً بالكتابة ، محسناً لها.
٣. إنّ النبي لو كان لا يحسن الكتابة ولا يعرفها لكان محتاجاً في فهم ما تضمّنته الكتب من الحقوق وغير ذلك إلى بعض رعيته ، ولو جاز أن يحوجه الله في بعض ما كلّفه الحكم فيه إلى بعض رعيته لجاز أن يحوجه في جميع ما كلّفه الحكم فيه إلى سواه ، وذلك مناف لصفاته ومضاد لحكمة باعثه ، فثبت أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحسن الكتابة.
٤. إنّ الله سبحانه يقول : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) ( سورة الجمعة ـ ٢ ) ومحال أن يعلمهم الكتاب وهو لا يحسنه ، كما يستحيل يعلمهم الكتاب والحكمة وهو لا يعرفهما ، ولا معنى لقول من قال : إنّ الكتاب هو القرآن خاصة ، إذ اللفظ عام والعموم لا ينصرف عنه إلاّ بدليل ، لا سيما على قول المعتزلة وأكثر