أصحاب الحديث.
٥. يدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) ( سورة العنكبوت ـ ٤٨ ) فنفى عنه احسان الكتابة وخطه قبل النبوّة خاصة ، فأوجب احسانه بذلك لها بعد النبوّة ، ولولا أنّ ذلك كذلك لما كان لتخصيصه النفي معنى يعقل ، ولو كان حاله صلىاللهعليهوآلهوسلم في فقد العلم بالكتابة بعد النبوّة ، كحاله قبلها لوجب إذا أراد نفي ذلك عنه أن ينفيه بلفظ يفيده ، لا يتضمن خلافه فيقول له : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذ ذاك ولا في الحال ، أو يقول : لست تحسن الكتابة ولا يتأتى منك على كل حال ، كما أنّه لما أعدمه قول الشعر ومنعه منه نفاه بلفظ يعم الأوقات فقال الله تعالى : ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ) ( يس ـ ٦٩ ) وإذا كان الأمر على ما بيّناه ثبت أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يحسن الكتابة بعد أن نبّأه الله تعالى ما وصفناه ، وهذا مذهب جماعة من الإمامية ويخالف فيه باقيهم وسائر أهل المذاهب والفرق يدفعونه وينكرونه (١).
وفي ما ذكره رحمه الله مناقشات نشير إليها :
أوّلاً : انّ الكتابة وإن كانت من الكمالات « ومن منحها له سبحانه فضل ومن حرمها نقص » غير أنّ ذلك يعد للعاديين الذين ينحصر طريق اكتسابهم للمعارف بها وحدها ، وأمّا من لا يحتاج إليها بل له طريق آخر لدرك الحقائق واكتساب المعارف كما هو الحال بالنسبة إلى نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا يعد التمكن من الكتابة والقراءة فضيلة له حتى يكون عدمهما نقصاً في حقه ، كيف وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم قد عرف الواجب جلّ اسمه وصفاته وأفعاله ووقف على حقائق الكون ودقائقه عن طريق الوحي الذي هو أوثق وأسدّ الطرق الممكنة ، لا يخطأ ولا يشتبه وعند ذاك لا حاجة له إلى هذه الطرق العادية غير المصونة عن الخطأ والاشتباه.
أضف إليه لو فرضنا أنّ بقاء النبي على ما كان عليه من الاُمية كان يرفع الشك
__________________
(١) أوائل المقالات ص ١١١ ـ ١١٣ ط تبريز.