لا تفتقر إلى معرفة الكتابة إذا تلقى التالي محفوظاته من وحي أو تلقين ، ومن الناس من يتعلّم القرآن من الصدور لا السطور ويتلوه كما حفظ بدون توقف على معرفة الخط ، وأمّا إذا قلنا إنّ المقصود منه الكتابة وإن كان بعيداً جداً فليس معناه تعليم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لقومه الكتابة مباشرة إذ لم يعهد ولم ير بأسانيد صحيحة أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم جلس مع أفراد اُمّته يعلّمهم نقوش الحروف الهجائية وتراكيبها الأبجدية قطعاً ، وإنّما المراد أنّه قام بأمر تعليم الاُمّة مهمة الكتابة ، فقد تواتر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم اتّخاذه الأسرى يشترط عليهم أن يعلّموا أهل مدينته الخط والكتابة (١) فكان الأسير إذا علّم الكتابة عشرة من المسلمين أطلق النبي سراحه مكافأة لعمله وبهذه الوسيلة البسيطة عمّم في اتباعه صناعة الخط وأخرجهم من ظلمة الاُمّية وأصبح مقر الاسراء مدرسة يتعلّم فيها صبيان المدينة ما يحتاجون إليه من علوم ذلك العهد.
وأمّا ما تمسك به من مفهوم الآية وأنّ لفظة : ( مِن قَبْلِهِ ) يفهم منها أنّه كان قارئاً وكاتباً بعد الوحي إليه فيوافيك نقده في البحث التالي :
ثم إنّ للعلاّمة الشهرستاني كلمة قيمة في المقام يجري مجرى الجواب عن ما ذكره المفيد فلاحظه (٢).
نقل شيخ الطائفة استدلال القوم على اُمّية النبي الأعظم بقوله سبحانه : ( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) ( العنكبوت ـ ٤٨ ) ثم اعترض عليهم بما هذا ملخصه :
__________________
(١) قال الاُستاذ عمر أبو النصر في كتابه « العرب ص ٢٣ » : وكان فداء الأسرى الذين يعرفون القراءة والكتابة تلقين عشرة من صبيان المدينة الكتابة ، وكذلك أصبح مقر الأسرى مدرسة يتعلّم فيها صبيان المدينة.
(٢) راجع مجلة المرشد البغدادية لسنتها الرابعة ص ٣٢٧ ـ ٤٢٨ ما أفاده العلامة الحجة السيد هبة الدين الشهرستاني على ما نقله عنها العلامة المتتبع الجرندابي في تعاليقه على أوائل المقالات.