« إنّ الآية لا تدل على أنّ النبي كان اُمياً بل فيها أنّه لم يكن يكتب الكتاب وقد لا يكتب الكتاب من يحسنه كما لا يكتب من لا يحسنه ... ».
« ولو دلّت الآية على أنّه لم يكن يحسن الكتابة قبل الايحاء إليه ، لدلّت بالمفهوم على أنّه كان يحسنها بعد الايحاء إليه ، حتى يكون فرقاً بين الحالتين ولا يكون الاتيان بالقيد ـ قبله ـ لغواً » (١).
أوّلاً : ففرق واضح بين من يحسن الكتابة ويتركها ، ومن لا يحسنها أصلاً ، فانّ من يحسن الكتابة ، لا يتركها دائماً ، بل يتركها مؤقتاً بسبب ظروف تلم به ولا يصح الاستدلال بتركه مؤقتاً ، على أنّه لا يحسنها ولا يستكشف حاله منه ، وأمّا من لم يكتب منذ نعومة أظفاره إلى أن بلغ الأربعين بل ناهز الخمسين كما هو الحال بالنسبة إلى نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيعد ذلك دليلاً عند العرف على أنّه لا يحسنها أصلاً وبتاتاً.
فالآية حسب ما يفهم منها عرفاً ، تدل على أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان اُمياً لا يقدر على الكتابة ، وقوله سبحانه : ( وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ ) بالنظر إلى ذيله وهو رفع الشك عن قلوب المبطلين ، كناية عن كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان اُمّياً لا يحسن شيئاً من القراءة ، لا أنّه كان عارفاً بها ولكنّه تركها لمصلحة أو غيرها.
وثانياً : إنّ استفادة المفهوم من الآية ودلالة القيد ـ من قبله ـ عليه مشكلة جداً وإن قلنا بدلالته على المفهوم في مقام آخر ، وذلك أنّ دلالة القيد عليه إنّما هي إذا كان بقاء الحكم وعدمه عند ارتفاع القيد سواسية ، فعند ذلك يستدل بأخذ القيد في موضوع الحكم على دخله في الغرض وفي الحكم المذكور في القضية ويكون مرجعه إلى ارتفاع الحكم السابق بارتفاع القيد كما إذا قيل : أكل زيد قبل طلوع الشمس ، وأمّا إذا كان بقاء
__________________
(١) التبيان ج ٨ ص ٢١٦ ط لبنان ويظهر من الآلوسي في تفسيره الاعتماد على هذا الوجه.