الترتيب المذكور ، ولم يهتمّوا في كتابة التفسير بالتفسير الموضوعي (١) الذي يقتضي نزول الآيات نجوماً وتوزع الآيات الراجعة إلى أكثر الموضوعات في أمكنة وسور القرآن.
وما ذكرنا حول نزول القرآن التدريجي وألمعنا إلى ما فيه من الخصائص يقتضي أن يفسر القرآن أيضاً حسب الموضوع إلى جانب تفسيره على ترتيب السور ، فتجمع آيات كل موضوع في مكان وتفسر مجموعتها لئلاّ تتشتت الجوانب المختلفة.
مثلاً المفسر الذي يحاول التعمّق في الحديث عن السماء والأرض على ضوء القرآن الكريم ، أو يريد أن يبحث بحثاً مستوفى عن المعاد ، أو يستعرض قصص بني إسرائيل ، أو يحكم في أفعال الإنسان من جهة الجبر والاختيار ، أو يكشف عن المعارف الإسلامية المتعلّقة بأفعال الله تعالى من قبيل الإرادة والهداية والضلال والقضاء والقدر ... لابد أن يتبع الطريقة الموضوعية التي ذكرناها ليتمكن من جمع أطراف الموضوع جمعاً كاملاً شاملاً.
من جملة الأسباب التي دعت إلى ظهور عقائد مختلفة بين المسلمين ، وتشبّث كل صاحب عقيدة بطائفة من الآيات ، أنّهم وجهوا اهتمامهم إلى آيات خاصة لتركيز معتقداتهم ، وأهملوا الآيات التي تكشف لهم آفاقاً اُخرى ، وتوضح لهم النقاط التي زلّوا فيها ، ولو أنّهم كانوا يلاحظون في كل مسألة من المسائل العقائدية الآيات بمجموعها لدرأوا عن أنفسهم الوقوع في هذه المهاوي السحيقة.
ومن باب المثال نذكر بهذا الصدد أصحاب مذهب الجبر في أفعال الانسان أو مذهب التفويض فيها فإنّهم ابتلوا بما ذكرناه وخبطوا خبط عشواء في فهم المقاصد الإلهية وتفسيرها.
__________________
(١) نريد من « التفسير الموضوعي » تفسير القرآن على حسب الموضوعات التي وردت فيه وبحث القرآن في مواضع مختلفة مقابل تفسيره على حسب السور والآيات.