بالنسبة إلى حاسّة السمع ، والمسموعات التي ينالها السمع ، شهادة بالنسبة إليه ، وغيب بالنسبة إلى البصر ، ومحسوساتهما جميعاً من الشهادة بالنسبة إلى الانسان الذي يملكهما في بدنه ومن الغيب بالنسبة إلى غيره من الاناسي (١).
وبذلك يصح لنا أن نصطلح ونعبّر عن الغيب البحت (٢) ب « الغيب عن العالم المادي » وعن الغيب النسبي ب « الغيب في العالم ».
بما أنّ الغيب البحت ، لا يخرج عن تحت الخباء ، فلا يتفاوت حاله بحسب الظروف والأحوال ، فالواجب على الانسان ، الإيمان به ، إذا قام الدليل على وجوده لامتناع شهودها ، والتعرف على حقيقتها ما لم يخرق الانسان الحجب المادية ، ولم يلق الستار عن مشاعره ، حتى يتعرّف عليها كتعرّفه على المحسوسات ولا يحصل ذلك إلاّ بالموت ، والتحلل من الجسد ، والتحرر من المادة حتى يصدق عليه قوله سبحانه :
( وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ( ق : ٢١ ـ ٢٢ ).
إنّ المغيبات الواردة في القرآن لا تزيد اُصولها على أقسام ثلاثة :
الأوّل :
الخبر عن الله سبحانه وأسمائه وصفاته ، والخبر عن الروحانيات وملائكته وتدبيره العوالم الأرضية ، والسماوية ، وشؤون الاحياء بعد الموت في البرزخ وحالة الأرواح قبل المعاد وبعده من نعيم أو جحيم ، والقرآن يموج بهذه المعاني الغيبية المطلقة التي لا
__________________
(١) الميزان ج ٧ ص ١٢٨.
(٢) ما أسميناه غيباً بحتاً فإنّما هو مجرد اصطلاح ليحصل الفرق بين القسمين وإلاّ فإنّما هو غيب بحت بالنسبة إلى العالم المادي ، وأمّا بالنسبة إلى نفسه أو ما يسانخه من الموجودات أو الواجب سبحانه فليس غيباً أصلاً.