من عجائب التنبؤات القرآنية وغرائبها ، تحدّيه اليهود بأبسط الأشياء وأسهلها ومطالبته إيّاهم بما هو ميسور لهم في كلّ وقت وحين ، وفي متناول قدرتهم ، ودائرة استطاعتهم في كل زمان ، ومع ذلك عجزوا عن تكذيبه وانصرفوا عن مخالفته ، وهذا يدل قبل كلّ شيء على أنّ القرآن كلام من بيده القلوب والضمائر.
قال سبحانه : ( قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِندَ اللهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) ( البقرة : ٩٤ ـ ٩٦ ).
لما زعم اليهود أنّهم الشعب المختار عند الله ، وأنّ الدار الآخرة خالصة لهم كما تحكي عنه الآية ويدل عليه أيضاً قوله سبحانه : ( وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ) ( البقرة ـ ٨٠ ).
عرض عليهم سبحانه ، رداً على مقالهم ( انّ نعيم الآخرة وقف على الشعب المختار ، وانّ الدار الآخرة خالصة لهم ) أن يتمنّوا الموت جناناً ولساناً وعملاً ، فإنّ الانسان بفطرته إذا خيّر بين العيش الخالص عن التعب والألم ، والعيش الممزوج بألوان العذب والكد ، يختار الأوّل ، ولا ريب أنّ عيش الآخرة هو العيش الخالص عن شائبة التعب ، فلو أنّهم يزعمون أنّهم صادقون في ما يقولون بألسنتهم من أنّ لهم الدار الآخرة ، وأنّهم الاُمّة المختارة من بين شعوب الناس بالحياة الدنيا ، يجب أن لا يكونوا أحرص الناس على الحياة الدنيا ، بل يلزم عليهم تمنّي الموت تمنّياً صادقاً ، تظهر آثاره في حياتهم وتقلبهم بين الناس.
غير أنّ التاريخ والحس يقضيان بخلاف ما يدّعونه ، وأنّهم أحرص الناس على