السماوات والأرض ، وحقيقتهما المستورة عن الافهام ، في هذا الزمان ، فهي مما استقر عليه ملكه تعالى ، وله أن يتصرف فيه بالاخفاء تارة وبالاظهار اُخرى ، وليست بصعبة عليه تعالى ، فإنّما أمرها كلمح البصر أو أقرب من ذلك لأنّ الله على كل شيء قدير.
ومن ذلك يظهر المقصود من قوله سبحانه : ( وَللهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ) فإنّ الآيتين متقاربتان في المعنى والمقصد ، ومفاد صدر الآية : يعني كونه سبحانه مالكاً لغيب السماوات ، علّة لذيلها أعني قوله سبحانه : ( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ) ورجوع الكل إليه ، من غيب السماوات والأرض ، ومن يملك غيبهما قادر على إرجاع الاُمور إليه.
ونظيره قوله سبحانه : ( قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) ( الكهف ـ ٢٦ ) والمعنى إذا كان سبحانه مالكاً لغيب السماوات والأرض بحقيقة معنى الملك ، وله كمال البصر والسمع ، فهو أعلم بما لبثوا !!.
وهناك آيات يستفاد منها الحصر بمعونة القرائن وهي كثيرة مثل قوله في بدء الخليقة عند تفنيد مزعم الملائكة : ( أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) ( البقرة ـ ٣٣ ) فالآية بصدد تنزيهه سبحانه عن الجهل وترفيعه على من سواه بصفة تختص به سبحانه ولا يشاركه فيها غيره ، وقوله سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( فاطر ـ ٣٨ ) وقوله سبحانه : ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ( المائدة ـ ١٠٩ ) والصيغة في المقام للتكثير لا للمبالغة نظير قوله سبحانه : ( ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ( آل عمران ـ ١٨٢ ) والمراد من اللفظين في كلا الموردين هو الانتساب إلى المبدأ أعني الغيب والظلم فيؤول المعنى إلى أنّه المنسوب إلى علم الغيب فقط دون غيره ، أو أنّه لا صلة بينه وبين الظلم.