الأصالة ومن فعل غيره على وجه التسبيب والتبعية ، ومع ذلك لا ينافي اختصاصه به سبحانه على الاطلاق لاختلاف الفعلين من جهة وتشابههما من جهة اُخرى.
نعم ما يظهره على رسوله من الغيب لما كان في مظنة التغيير لم يكتف بنفس الاظهار والاعلام بل عين له رصداً وحفظة يحفظون ما يلقى إليه ، وإلى ذلك أشار سبحانه بقوله : ( فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ).
ولما كان علم الرسول بالغيب محاطاً بعلمه سبحانه قال : ( وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ ) أي ما لدى الأنبياء والخلائق وهم لا يحيطون إلاّ بما يطلعهم الله عليه فقد : ( وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ).
ثمّ إنّه وإن خصص العام في هذه الآية بالرسول حيث قال : ( إِلاَّ مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) إلاّ أنّه لا يأبى عن ورود مخصص آخر عليه فإنّه سبحانه كما أظهر غيبه على رسله ، أظهره على أنبيائه الآخرين حيث قال سبحانه : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ) ( النساء ـ ١٦٣ ) والوحي أحد مصاديق الغيب على ما عرفناك.
هذا إذا قلنا باختلاف الرسول والنبي في المصداق وأنّ بين اللفظين حسب المصداق عموم مطلق أو عموم من وجه ، أمّا إذا قلنا باختلافهما في المفهوم وتساويهما في المصداق كما هو غير بعيد ، فلا يلزم تخصيص آخر.
ومن هنا يظهر الحال في علم خلفاء الرسول بالغيب فإنّهم عليهمالسلام لما جعلوا مصدر علمهم بالغيب ، التعلّم من ذي علم وهو الرسول والوراثة منه (١) لا يلزم عندئذ تخصيص آخر على الآية ، غير أنّ كون مصدر علمهم منحصراً فيها لا يخلو من غموض لما سيوافيك من كونهم عليهمالسلام محدثين ـ بالفتح ـ فانتظر.
وربّما يقال : انّ المراد من الغيب في قوله سبحانه : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) ( الجن ـ ٢٦ ـ ٢٧ ) وهكذا في نظائره ممّا استدل به على جواز تعرّف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على الغيب ، هو الوحي القرآني الذي نزل على قلب
__________________
(١) وقد عقد الكليني في اُصوله باباً لذلك فراجع ج ١ ص ٢٢٣.