لكن في دلالة الآيتين على تعرّف النبي والمؤمنين على الغيب تأملاً لأنّ المتبادر في بادئ النظر من رؤية الأعمال هو شهودها بأنفسها أو شهودها بآثارها ونتائجها والآية الأولى تهدف إلى أنّ العبرة بالعمل لا بالاعتذار عن التقصير وهو لا يخفى بعد على الله ورسوله ، والمتبادر من الآية الثانية هو ذاك أيضاً لأنّه عطف على قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ) أي أعملوا لدنياكم وآخرتكم وهو لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على الناس وهو ممّا تكفي فيه الحواس الظاهرية ولا يتوقف على العلم بالغيب.
ورؤية الأعمال بهذا المعنى وإن كانت لا تختص بالمؤمنين بل تعم الناس جميعاً غير أنّه لمّا كان البحث والحوار في الآية دائراً بين المؤمنين والمنافقين خص الله سبحانه المؤمنين بالذكر وأعرض عن غيرهم.
نعم ربّما يستظهر أنّ المراد من رؤية عملهم هو الوقوف على حقائق الأعمال ومقاصدهم من أعمالهم وهو مما لا يمكن الاطّلاع عليها من طريق الآثار والنتائج بل يتوقف على ادراك غيبي وعند ذاك يكون المراد من المؤمنين شهداء الأعمال لا كلّهم.
ليس هناك أي مانع من أن يعلم الله أحد أوليائه بشيء من غيبه المكتوم وسره المخفي مما كتمه على غيره وستره عنه.
نعم لا يجب على كل من اطلع على الغيب ، اعلام الناس به أو العمل به فلا يستلزم العلم بالشيء ، العمل به أو إخباره الناس بذلك فإنّ هناك مراحل ثلاث مرحلة الاطّلاع ، مرحلة العمل ، ومرحلة الاعلام ، ولكلّ مقتضيات وشرائط وموانع تجب رعايتها نظير القاضي إذ ليس له إلاّ الحكم على وفق ما سمع واقيمت عنده البينة لا على وفق ما علم.
وسيوافيك توضيح هذا الأمر عند الأجابة عن التساؤلات الموجودة حول علم الغيب.